الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة [ الجهل ] الجهل يطلق ويراد به عدم العلم عما من شأنه أن يعلم . ويسمى بسيطا . وقيل : لا يطلق عليه جهل . واختاره ابن السمعاني على ما سيأتي . وقيل : إن هذا التعريف غير مانع لدخول الظن عند من لا يراه علما ، والشك والغفلة ، وإصلاحه عدم كل علم أو ظن أو شك أو وقف عما من شأنه أن يكون معلوما أو مظنونا أو مشكوكا أو موقوفا فيه ممن شأنه أن يوصف بذلك [ ص: 101 ] ويطلق ويراد به الاعتقاد الباطل ، ويسمى مركبا . وقال الآمدي : اعتقاد المعتقد على خلاف ما هو عليه في نفس الأمر ، ونقض بالنظر المطابق عكسا ، فإن الناظر ما لم يكن عالما أو ظانا فهو جاهل ; لكونه ضدا لهما عنده فيكون الناظر إذن جاهلا مع أن اعتقاده مطابق . وهو بالمعنى الأول عدمي يقابل العلم تقابل العدم والملكة . وبالثاني وجودي يقابل العلم تقابل الضدين ، والثاني يقال فيه : أخطأ وغلط ، ومخاطبته مخاطبة عناد ومخاطبة الأول مخاطبة تعليم . قال الرازي : والذي يمكنه طلب العلم هو صاحب الجهل البسيط ; لأنه لا يعلم . وأما المركب فإنه لا يطلب العلم ألبتة ; لأنه وإن كان لا يعلم إلا أنه يعتقد أنه يعلم ، فصار صارفا له عن طلبه ، وهل المنافاة بينهما ذاتية أو للصارف ؟ . فيه احتمالان . وقال السمعاني في الكفاية " اختلف في الجهل ، فقيل : هو عدم العلم وهو بعيد ، وقيل : تصور المعلوم بخلاف ما هو به . وقيل : اعتقاد المعلوم على خلاف ما هو عليه . انتهى . وقال ابن السمعاني في القواطع " : الجهل اعتقاد المعلوم على خلاف ما هو به ، ولا بأس بالاعتقاد في حد الجهل . ا هـ . وهذا تعريف للمركب فقط ، إذ البسيط لا اعتقاد فيه ألبتة ، فكأنه [ ص: 102 ] ليس بجهل عنده .

                                                      وكذلك فعل جماعة من أئمتنا ، وحكوا خلافا عن المعتزلة في أن الجهل هل هو مثل العلم ؟ فأكثر المعتزلة على أنه مثل له .

                                                      واحتجوا بأن من اعتقد كون زيد في الدار مثلا ، وليس هو فيها فإن اعتقاده الأول الذي هو جهل من جنس الثاني الذي علمه . وما به الافتراق من كون زيد في الدار إحدى الحالتين ، وعدمه في الأخرى أنه خارج عن موجب الاختلاف بين الاعتقادين ، وقد أجمعوا على أن اعتقاد المقلد للشيء على وفق ما هو عليه مثل العلم ، وهذا الكلام من المعتزلة لسنا نوافقهم عليه غير أنا نقول : اتفقوا على أن هذا مخصوص بالجهل المركب . أما البسيط إن قيل : إنه جهل ، فلا خلاف في كونه ليس مثلا للعلم ، فإن عدم الشيء لا يكون مثلا لذلك الشيء .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية