الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ ص: 87 ] الأشياء التي لا يؤاخذ الله المكلف بها ]

وكذلك الخطأ والنسيان والإكراه والجهل بالمعنى وسبق اللسان بما لم يرده والتكلم في الإغلاق ولغو اليمين ; فهذه عشرة أشياء لا يؤاخذ الله بها عبده بالتكلم في حال منها ; لعدم قصده وعقد قلبه الذي يؤاخذه به .

أما الخطأ من شدة الفرح فكما في الحديث الصحيح حديث { فرح الرب بتوبة عبده وقول الرجل : أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح } .

وأما الخطأ من شدة الغضب فكما في قوله تعالى : { ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم } قال السلف : هو دعاء الإنسان على نفسه وولده وأهله حال الغضب ، لو أجابه الله تعالى لأهلك الداعي ومن دعى عليه ، فقضي إليهم أجلهم ، وقد قال جماعة من الأئمة : الإغلاق الذي منع النبي صلى الله عليه وسلم من وقوع الطلاق والعتاق فيه هو الغضب . وهذا كما قالوه ; فإن للغضب سكرا كسكر الخمر أو أشد .

وأما السكران فقد قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } فلم يرتب على كلام السكران حكما حتى يكون عالما بما يقول ; ولذلك { أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يشكك المقر بالزنا ليعلم هل هو عالم بما يقول أو غير عالم بما يقول ، ولم يؤاخذ حمزة بقوله في حال السكر : هل أنتم إلا عبيد لأبي ولم يكفر من قرأ في حال سكره في الصلاة : أعبد ما تعبدون ، ونحن نعبد ما تعبدون } .

وأما الخطأ والنسيان فقد قال تعالى حكاية عن المؤمنين : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وقال الله تعالى : " قد فعلت " وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { إن الله قد تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } .

وأما المكره فقد قال الله : { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } والإكراه داخل في حكم الإغلاق .

وأما اللغو فقد رفع الله تعالى المؤاخذة به حتى يحصل عقد القلب .

وأما سبق اللسان بما لم يرده المتكلم فهو دائر بين الخطأ في اللفظ والخطأ في القصد ; فهو أولى أن لا يؤاخذ به من لغو اليمين ، وقد نص الأئمة على مسائل من ذلك تقدم ذكر بعضها . [ ص: 88 ] وأما الإغلاق فقد نص عليه صاحب الشرع ، والواجب حمل كلامه فيه على عمومه اللفظي والمعنوي ; فكل من أغلق عليه باب قصده وعلمه كالمجنون والسكران والمكره والغضبان فقد تكلم في الإغلاق ، ومن فسره بالجنون أو بالسكر أو بالغضب أو بالإكراه فإنما قصد التمثيل لا التخصيص ، ولو قدر أن اللفظ يختص بنوع من هذه الأنواع لوجب تعميم الحكم بعموم العلة ; فإن الحكم إذا ثبت لعلة تعدى بتعديها وانتفى بانتفائها .

التالي السابق


الخدمات العلمية