الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 510 ] المسلك ( الثاني ) من مسالك العلة ( النص ) من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ( ومنه ) أي من النص ما هو ( صريح ) وهو ما وضع لإفادة التعليل ، بحيث لا يحتمل غير العلة ( ك ) أن يقال ( لعلة ) كذا ( أو سبب ) كذا ( أو أجل ) كذا ( أو من أجل كذا ) نحو قوله تعالى " { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل } وقوله صلى الله عليه وسلم { إنما جعل الاستئذان من أجل البصر } متفق عليه وقوله صلى الله عليه وسلم { إنما نهيتكم - يعني عن ادخار لحوم الأضاحي - من أجل الدافة التي دفت فكلوا وادخروا } رواه مسلم . أي لأجل التوسعة على الطائفة التي قدمت المدينة أيام التشريق . والدافة : القافلة السائرة ، مشتقة من الدفيف ، وهو السير اللين ، ومنه قولهم : دفت علينا من بني فلان دافة . قاله الجوهري ( أو ) يقال ( كي ) يكون كذا ، سواء كانت مجردة من " لا " نحو قوله تعالى { كي تقر عينها ولا تحزن } أو مقرونة بها نحو { لكي لا تأسوا على ما فاتكم } { كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } فلا يحصل للفقراء شيء ( أو ) يقال ( إذا ) ، نحو { قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب وقد قال له أجعل لك صلاتي كلها ؟ قال : إذا يغفر الله لك ذنبك كله } وفي رواية { إذا يكفيك الله هم الدنيا والآخرة } . ( وكذا ) يكون من الصريح ( إن ) المكسورة الهمزة المشددة النون عند القاضي أبي يعلى وأبي الخطاب والآمدي وابن الحاجب وغيرهم ، نحو { قوله صلى الله عليه وسلم لما ألقى الروثة أما إنها رجس } { وقوله صلى الله عليه وسلم في الهرة إنها من الطوافين عليكم والطوافات } معللا طهارتها بذلك ( وهي ) يعني " إن " المشددة النون حال كونها ( ملحقة بالفاء آكد ) نحو قوله صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته راحلته { فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا } وقوله صلى الله عليه وسلم في الشهداء { زملوهم بكلومهم ودمائهم ; فإنهم يبعثون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما } ووجه كونها ملحقة بالفاء آكد لدلالتها على أن ما بعدها سبب للحكم قبلها . وعند البيضاوي وابن السبكي وغيرهما : أن التعليل ب " إن " من قسم الظاهر .

وعند ابن البناء وغيره : أن ذلك من قسم الإيماء ( وزيد ) أي وزاد بعضهم في قسم الصريح ( المفعول له ) نحو قوله تعالى { يجعلون أصابعهم في [ ص: 511 ] آذانهم من الصواعق حذر الموت } لأن { حذر الموت } علة للفعل ( و ) من النص أيضا ما هو ( ظاهر ) وهو ما يحتمل غير العلية احتمالا مرجوحا ( كاللام ) ثم تارة تكون ( ظاهرة ) ، أي ملفوظا بها ، نحو قوله تعالى { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور } { أقم الصلاة لدلوك الشمس } { ليذوق وبال أمره } وهو كثير ( و ) تارة تكون ( مقدرة ) نحو قوله تعالى { عتل بعد ذلك زنيم أن كان ذا مال وبنين } أي : لأن كان .

ومنه ما في الصحيحين في قصة الزبير من قول الأنصاري لما خاصمه في شراج الحرة " أن كان ابن عمتك " وكما يقال في الكلام : أن كان كذا . فالتعليل مستفاد من اللام المقدرة لا من " أن " ويدخل في هذا " إذا كان " الواقع بعد " أن " : " كان " وحذفت واسمها وبقي خبرها ، وعوض عن ذلك " ما " كقوله :

أبا خراشة ، أما أنت ذا نفر فإن قومي لم تأكلهم الضبع

أي لأن كنت ذا نفر ؟ وإنما لم تجعل اللام وما سيأتي بعدها من الصريح ; لأن كلا منها له معان غير التعليل ( والباء ) عطف على " كاللام " نحو قوله تعالى { فبما رحمة من الله لنت لهم } أي بسبب الرحمة وقوله تعالى { جزاء بما كانوا يكسبون } فهي - وإن كان أصل معناها الإلصاق ولها معان غيره - فقد كثر استعمالها في التعليل .

وعند الأصحاب وغيرهم ( إن قام دليل أنه ) أي إن المتكلم ( لم يقصد ) بكلامه ( التعليل ) فاستعمال أداة التعليل فيما لا يصلح علة ( مجاز ) ويعرف ذلك بعدم الدليل على عدم صلاحيته علة ( ك ) أن يقال لفاعل شيء ( لم فعلت ؟ فيقول : لأني أردت ) فإن هذا لا يصلح أن يكون علة ; لأن العلة في الاصطلاح : هو المقتضي الخارجي للفعل ، أي المقتضي له من خارج . والإرادة إما موجبة للفعل أو مصححة له ، فيكون قوله " لأني أردت " استعمال اللفظ في غير محله ، فيكون مجازا .

التالي السابق


الخدمات العلمية