الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( تنبيهات : الأول ) : هنا مسألة واقعة عمت بها البلوى وهي أن الخصمين إذا فرغا من الخصومة واتفقا على أمر وأرادا أن يثبتاه عند الحاكم فمن الناس من يمتنع من الرواح إلى مجلس الحاكم تكبرا ومنهم من يمتنع لعذر فيشهد كل واحد من الخصمين أنه وكل كل أحد من المسلمين في الدعوى والإعذار والثبوت وطلب الحكم فيأتي الشهود على الوكالة إلى رجل من الناس ويشهدون عند الحاكم أنه وكيل فلان وشخص آخر أنه وكيل فلان الآخر ويكملون أمرهم فهل هذا التوكيل صحيح أم لا ؟

                                                                                                                            فاعلم أنه لا يخلو إما أن يريد الموكل بقوله وكلت كل أحد من المسلمين في إثبات كذا إلى آخره أنه يوكل كل واحد من المسلمين لا بعينه ، وهذا هو المتبادر فلا مرية في عدم صحة هذا الوجه للجهل بعين الوكيل قال ابن فرحون في الفصل الخامس من القسم الثالث من الركن السادس من الباب الخامس من القسم الأول من أقسام الكتاب في التنبيه على أحكام يتوقف سماع الدعوى بها على إثبات فصول مسألة من الوكالة : لا يسمع القاضي من أحد دعوى الوكالة حتى يثبت عنده ذلك بشاهدين أو بشاهد ويمين على قول مالك وابن القاسم ولا بد أن يشهد الشهود على معرفة عين الموكل ويثبت عنده أيضا عين الوكيل إما بالشاهدين الأولين أو بغيرهما وإذا حضر الوكيل والخصم وتقاررا على صحة الوكالة ، فلا يحكم بينهما بمجرد قولهما ; لأنه حق لغيرهما يتهمان على التواطؤ ولو صدق الخصم الوكيل في الدعوى ، واعترف بالمدعى به لم يجبره الحاكم على دفعه على المشهور حتى يثبت عنده صحة الوكالة انتهى .

                                                                                                                            وإن أراد بقوله كل أحد من المسلمين أن جميع المسلمين وكلاء عنه في ذلك فيمكن هنا الشهادة على عين كل أحد من المسلمين أنه وكيله لكن الذي يظهر أنه يمنع من جهة أخرى ، وهو أن توكيل أكثر من واحد على الخصام لا يجوز ، ولا شك أن هذه وكالة في دعوى وإنكار وإثبات وبحث سيدي الشيخ العلامة أحمد بن عبد الغفار في كون ذلك وكالة في خصومة فتأمله وقال في آخر كتاب الوكالة من النوادر ومن كتاب ابن المواز قال مالك : ومن شرط في ذكر حقه ومن قام به فله أن يقضيه فلا يجوز هذا ولا يقضى له إلا بوكالة انتهى . [ ص: 183 ] وما قاله ابن فرحون من عدم جبره الحاكم على الدفع فيما إذا صدر ، والخصم الوكيل على الدعوى فاعترف بالمدعى عليه موافق لما في المعونة وتبصرة اللخمي ومخالف لما جزم به في الفصل السادس من تبصرته ونصه مسألة في المطلوب يوافق على صحة الوكالة قبل ثبوتها وإذا قام رجل على رجل في مهر امرأته أو دين رجل وادعى وكالة صاحب ذلك الحق فأقر المطلوب بالدين أو المهر واعترف بصحة الوكالة فإنه يلزمه دفع ذلك إليه ، فإن كان صاحب الحق على المطلوب يطلبه بذلك قضى له به ; لأنه إنما يقضي عليه أولا بإقراره ، والمصيبة منه انتهى .

                                                                                                                            وله في الباب السبعين في القضاء بالأمارات وقرائن الأحوال ما يوافق ما له في الفصل السادس وعزاه للمتيطية ونصه وفي المتيطية حكى عن ابن حبيب عن سحنون فيمن قال لرجل ما قاله لرجل وكلني فلان على قضاء دينه منك وعدده كذا فصدقه في الوكالة وأقر بالدين أنه يلزم الدفع إليه فإن قدم فلان وأنكر التوكيل غرم المقر ; لأن الحكم كان بإقراره انتهى . وفيه ما يؤخذ منه ما يخالف هذا ، ويوافق ما تقدم عن الفصل الخامس فتأمله والله أعلم انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية