الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فقه التوسط (مقاربة لتقعيد وضبط الوسطية)

الدكتور / نوار بن الشلي

مشاقة الشرع تفريط مآله الهلاك

المشاقة أن يكون المرء في شق والشرع في شق آخر فهي المخالفة مطلقا،

قال الله تعالى: ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) (النساء: 115) .

وهذه القاعدة بما يسندها من الأدلة حجة على أدعياء التوسط -لمجرد كونه نقطة التقاء بين طرفين- حتى ولو خالف الواضحات من نصوص الشريعة ومقتضياتها، فإنه لا وسـطية مع مشاقة الشريعة ومعاداة أحكامها، إذ ذلك من تلبيس الشيطان على أوليائه ليجادلوا المؤمنين، ولطالما سمعنا من الناس من يحتج بالتمسك بالوسط ولو كان فيه مخالفة صريحة للنصوص.

قال سيد قطب، عند بيان قوله تعالى: ( ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ) (الأنفال: 13) :

«.. والذي يشاق الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يأخذ له شقا وجانبا وصفا غير الصف والجانب والشق الذي يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى هذا أن يتخذ له منهـجا للحياة كلها غير منهجه، وأن يختار له طريقا غير طريقه. فالرسول صلى الله عليه وسلم جاء يحمل من عند الله منهجا كاملا للحياة يشتمل على العقيدة والشعائر التعبدية، كما يشتمل على الشريعة والنظام الواقعي لجوانب الحياة البشرية كلها.. وهذه وتلك كلتاهما جسم هذا المنهج، بحيث تزهق روح هذا المنهج إذا شطر جسمه فأخذ منه شق وطرح شق! والذي يشاق الرسول صلى الله عليه وسلم هو [ ص: 164 ] كل من ينكر منهـجه جملة، أو يؤمن ببعض ويكفر ببعض، فيأخذ بشق منه ويطـرح شـقا! وقد اقتضت رحمـة الله بالناس، ألا يحق عليهم القول، ولا يصلوا جهنم وساءت مصيرا، إلا بعد أن يرسل إليهم رسولا. وبعد أن يبين لهم. وبعد أن يتبينوا الهدى. ثم يختاروا الضلالة. وهي رحمة الله الواسـعة الحانية على هذا المخلوق الضعيف. فإذا تبين له الهدى، أي إذا علم أن هذا المنهج من عند الله، ثم شاق الرسول صلى الله عليه وسلم فيه، ولم يتبعه ويطعه، ولم يرض بمنهج الله الذي تبين له، فعندئذ يكتب الله عليه الضلال، ويوليه الوجهة التي تولاها، ويلحقه بالكفار والمشركين الذين توجه إليهم. ويحق عليه العذاب المذكور في الآية..» [1] .

وقد ضمن الله عز وجل لمن أطاع الله ورسوله خير الدنيا والآخرة،

فإنه قال: ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ) (النساء: 69) ،

وتوعد من خالف ذلك وعدل عنه بما نستجير بالله منه ونعوذ به ممن كان موصوفا به: ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) (النساء: 115)

فرحم الله عبدا لزم الحـذر واقتـفي الأثـر، ولزم الجـادة الواضـحة، وعدل عن البدعة الفاضحة. [ ص: 165 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية