الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فأما أمان العبد المحجور عليه عن القتال فهو باطل في قول أبي حنيفة رحمه الله صحيح في قول محمد والشافعي رحمهما الله تعالى وذكر الطحطاوي قول أبي يوسف مع أبي حنيفة رحمهما الله تعالى وذكر الكرخي قوله مع محمد رحمهما الله تعالى حجتهم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { : يسعى بذمتهم أدناهم } وأدنى المسلمين العبد وفي حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : أمان العبد والصبي والمرأة سواء } وفي حديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : أمان العبد أمان } ولأنه من أهل الجهاد ولا تهمة في أمره فيصح أمانه كالحر وبيان الأهلية أن المطلوب بالجهاد إعزاز الدين ودفع فتنة الكفر فكل مسلم يكون أهلا له ثم الجهاد يكون بالنفس تارة وبالمال أخرى فالعبد لا مال له وهو ممنوع من الجهاد بالنفس لما فيه من إبطال حق المولى عن منافعه وتعريض ماليته للهلاك فأما الأمان جهاد بالقول وليس فيه إبطال حق المولى عن شيء فكان العبد فيه كالحر والدليل عليه صحة أمانه إذا كان مأذونا في القتل وتأثير الإذن في رفع المانع لا في إثبات الأهلية لمن ليس بأهل .

ألا ترى أن بالإذن لا يصير أهلا للشهادة ونزول المانع من التصرفات لوجود الأهلية ثم الأمان ترك القتال ولا يستفاد بالإذن في القتال لأنه ضده وبعد الإذن هو في الأمان ليس بنائب عن المولى بدليل أن المعتبر دينه لا دين المولى فعرفنا أنه كان أهلا لكونه مسلما [ ص: 71 ] ولأن الأمان من فروع الدين وقوله في أصل الدين معتبر ملزم فكذلك في فروعه ولهذا صح إحرامه وصح منه عقد الذمة مع قوم من المشركين والذمة أقوى من الأمان فيستدل بصحة ما هو أقوى منه على صحة الأدنى بطريق الأولى .

( وحجتنا ) قوله تعالى { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء } والأمان شيء وهذا عام لا يجوز دعوى التخصيص فيه لأن الله تعالى ذكر هذا المثل للأصنام واحدها لا يقدر على شيء ولأنه ليس بأهل للجهاد فلا يصح أمانه بنفسه كالذمي والصبي والمجنون وبيان الوصف أن الجهاد يكون بالنفس أو بالمال ونفسه مملوكة لغيره وهو ليس من أهل ملك المال فعرفنا أنه ليس من أهل الجهاد وتأثيره أن صحة الأمان من الواحد باعتبار منفعة المسلمين فربما يكون الأمان خيرا لهم لحفظ قوة أنفسهم لأن القتال حفظ قوة النفس أولا ثم العلو والغلبة ولكن الخيرة في الأمان مستورة لا يعرفه إلا من يكون مجاهدا فإذا كان العبد المحجور لا يملك القتال لا يعرف الخيرة في الأمان فلا يكون أمانه جهادا بالقول بخلاف المأذون في القتال فإنه لما تمكن من مباشرة القتال عرف الخيرة في الأمان فحكمنا بصحة أمانه ولهذا لا يحكم بصحة أمان الأسير لأن الخيرة في الأمان مستورة لا يعرفه إلا من يكون آمنا على نفسه والأسير خائف فإذا تقرر هذا في المقيد بالأسر ففي المقيد بالرق أولى لأن الأسير مالك للقتال وإنما لا يتمكن منه حسا والعبد غير مالك للقتال أصلا ولأن عقد العبد على الغير ابتداء لأنهم لا يخافونه حين لم يكن مالكا للقتال بخلاف المأذون له في القتال فإنهم يخافونه فإنما يعقد على نفسه ولا معنى لقول من يقول : العبد يؤمن نفسه وهو يخافهم وإن كان محجورا عليه لأنه يقول : أمنتكم ولا يقول : أمنت نفسي ولو قال ذلك لا يكون أمانا ولأنه نوع ولاية حيث إنه يتقيد القول على الغير بشرط التكليف فيكون نظير ولاية النكاح والعبد لا يملك النكاح بنفسه إلا أن يأذن له مولاه فيه فكذلك لا يملك الأمان إلا أن يكون مأذونا في القتال لأن الأمان ترك القتال ضرورة ولكنه من القتال معنى فيملكه من يكون مالكا للقتال والآثار محمولة على المأذون في القتال وقد تقدم بيان تأويل قوله صلى الله عليه وسلم { يسعى بذمتهم أدناهم } فأما عقد الذمة فنقول : إنه يتمحض منفعة للمسلمين لأن الكفار إذا طلبوا ذلك افترض على الإمام إجابتهم إليه فلو اعتبر ما سبق من العبد احتسب عليهم تلك المدة لأخذ الجزية ولو لم يعتبر كان ابتداء تلك المدة من الحال فلكونه محض منفعة حكمنا بصحته من العبد كقبول [ ص: 72 ] الهبة والصدقة فأما الأمان يتردد بين المضرة والمنفعة ولهذا لا يفترض إجابة الكفار إليه وفيه إبطال حق المسلمين في الاستغنام والاسترقاق والتصرف الذي فيه توهم الضرر في حق المولى خاصة كالبيع والشراء لا يملكه العبد بنفسه لما فيه من إلحاق الضرر بالمولى فالتصرف الذي فيه إلحاق الضرر بالمسلمين أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية