الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [9 - 10] يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر أي: بطاعة الله، وما يقربكم منه، والتقوى أي: اجتناب ما يؤثم، واتقوا الله الذي إليه تحشرون أي: فيجزيكم بما اكتسبتم مما أحصاه عليكم.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم شجع تعالى المؤمنين في قلة المبالاة بمناجاة أعدائهم، وأنها لا تضرهم ما داموا مثابرين على وصاياه، متكلين عليه، بقوله: إنما النجوى من الشيطان أي: النجوى التي ذمها، فاللام للعهد، أي: المزين لهذه النجوى بالشر، والحامل عليها الشيطان.

                                                                                                                                                                                                                                      ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم أي: الشيطان، أو التناجي المذكور شيئا إلا بإذن الله أي: بمشيئته وعلى الله فليتوكل المؤمنون أي: بالمضي في سبيله، والاستقامة على أمره، وانتظار النصر على أثره.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 5717 ] لطيفة:

                                                                                                                                                                                                                                      قال القاشاني: إنما نهوا عن النجوى لأن التناجي اتصال واتحاد بين اثنين في أمر يختص بهما، لا يشاركهما فيه ثالث. وللنفوس عند الاجتماع والاتصال تعاضد وتظاهر، يتقوى ويتأيد بعضها بالبعض فيما هو سبب الاجتماع لخاصية الهيئة الاجتماعية التي لا توجد في الأفراد، فإذا كانت شريرة يتناجون في الشر، ويزاد فيهم الشر، ويقوى فيهم المعنى الذي يتناجون به بالاتصال والاجتماع، ولهذا ورد بعد النهي قوله:

                                                                                                                                                                                                                                      ويتناجون بالإثم الذي هو رذيلة القوى البهيمية والعدوان الذي هو رذيلة القوى الغضبية ومعصيت الرسول التي هي رذيلة القوة النطقية، بالجهل وغلبة الشيطنة، ألا ترى كيف نهى المؤمنين بعد هذه الآية عن التناجي بهذه الرذائل المذكورة، وأمرهم بالتناجي بالخيرات، ليتقووا بالهيئة الاجتماعية، ويزدادوا فيها فقال: وتناجوا بالبر أي: الفضائل التي هي أضداد تلك الرذائل، من الصالحات والحسنات المخصوصة بكل واحدة من القوى الثلاث، والتقوى أي: الاجتناب: عن أجناس الرذائل المذكورة، انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن كثير : وقد وردت السنة بالنهي عن التناجي، حيث يكون في ذلك تأذ على مؤمن. روى الإمام أحمد عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما؛ فإن ذلك يحزنه» أخرجاه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 5718 ] وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون الثالث إلا بإذنه؛ فإن ذلك يحزنه. انفرد بإخراجه مسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية