الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4361 ) مسألة قال : ( أو يحفر فيها بئرا ، فيكون له خمس وعشرون ذراعا حواليها ، وإن سبق إلى بئر عادية ، فحريمها خمسون ذراعا ) البئر العادية ، بتشديد الياء : القديمة ، منسوبة إلى عاد ، ولم يرد عادا بعينها ، لكن لما كانت عاد في الزمن الأول ، وكانت لها آثار في الأرض ، نسب إليها كل قديم ، فكل من حفر بئرا في موات للتمليك ، فله حريمها خمس وعشرون ذراعا من كل جانب

                                                                                                                                            ومن سبق إلى بئر عادية ، كان أحق بها ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم ، فهو له . وله حريمها خمسون ذراعا من كل جانب . }

                                                                                                                                            نص أحمد على هذا في رواية حرب ، وعبد الله . واختاره أكثر أصحابنا . وقال القاضي وأبو الخطاب : ليس هذا على طريق التحديد ، بل حريمها على الحقيقة ما تحتاج إليه في ترقية مائها منها ، فإن كان بدولاب فقدر مدار الثور أو غيره . وإن كان بساقية فبقدر طول البئر ; لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { حريم البئر مد رشائها } . أخرجه ابن ماجه

                                                                                                                                            ولأنه المكان الذي تمشي إليه البهيمة . وإن كان يستقي منها بيده ، فبقدر ما يحتاج إليه الواقف عندها . وإن كان المستخرج عينا ، فحريمها القدر الذي يحتاج إليه صاحبها للانتفاع بها ، ولا يستضر بأخذه منها ولو على ألف ذراع . وحريم النهر من جانبيه ما يحتاج إليه لطرح كرايته بحكم العرف في ذلك ; لأن هذا إنما ثبت للحاجة ، فينبغي أن تراعي فيه الحاجة دون غيرها . وقال أبو حنيفة : حريم البئر أربعون ذراعا ، وحريم العين خمسمائة ذراع ; لأن أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { حريم البئر أربعون ذراعا لأعطان الإبل والغنم } وعن الشعبي مثله ، رواه أبو عبيد .

                                                                                                                                            ولنا ما روى الدارقطني والخلال ، بإسنادهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { حريم البئر البدي خمس [ ص: 346 ] وعشرون ذراعا ، وحريم البئر العادي خمسون ذراعا } وهذا نص . وروى أبو عبيد ، بإسناده عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، أنه قال : السنة في حريم القليب العادي خمسون ذراعا ، والبدي خمس وعشرون ذراعا

                                                                                                                                            وبإسناده عن سعيد بن المسيب ، قال : حريم البئر البدي خمس وعشرون ذراعا من نواحيها كلها ، وحريم بئر الزرع ثلاثمائة ذراع من نواحيها كلها ، وحريم البئر العادية خمسون ذراعا من نواحيها كلها . ولأنه معنى يملك به الموات ، فلا يقف على قدر الحاجة ، كالحائط . ولأن الحاجة إلى البئر لا تنحصر في ترقية الماء ، فإنه يحتاج إلى ما حولها عطنا لإبله ، وموقفا لدوابه وغنمه ، وموضعا يجعل فيه أحواضا يسقي منها ماشيته ، وموقفا لدابته التي يستقي عليها

                                                                                                                                            وأشباه ذلك ، فلا يختص الحريم بما يحتاج إليه لترقية الماء ، وأما حديث أبي حنيفة ، فحديثنا أصح منه ، ورواهما أبو هريرة ، فيدل على ضعفه . إذا ثبت هذا ، فظاهر كلام الخرقي أن هذا الحريم مملوك لصاحب البئر . وعند الشافعي ، والقاضي ، ليس بمملوك . وقد سبق ذكر هذا .

                                                                                                                                            ( 4362 ) فصل : ولا بد أن يكون البئر فيها ماء ، وإن لم يصل إلى الماء ، فهو كالمتحجر الشارع في الإحياء ، على ما قدمناه

                                                                                                                                            ويجب أن يحمل قوله في البئر العادية على البئر التي انطمت وذهب ماؤها ، فجدد حفرها وعمارتها ، أو انقطع ماؤها ، فاستخرجه ، ليكون ذلك إحياء لها . وأما البئر التي لها ماء ينتفع به المسلمون ، فليس لأحد احتجاره ومنعه ; لأنه يكون بمنزلة المعادن الظاهرة ، التي يرتفق بها الناس ، وهكذا العيون النابعة ، ليس لأحد أن يختص بها . ولو حفر رجل بئرا للمسلمين ينتفعون بها ، أو لينتفع هو بها مدة إقامته عندها ثم يتركها ، لم يملكها ، وكان له الانتفاع بها .

                                                                                                                                            فإذا تركها صارت للمسلمين كلهم ، كالمعادن الظاهرة ، وما دام مقيما عندها فهو أحق بها ; لأنه سابق إليها ، فهو كالمتحجر الشارع في الإحياء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية