الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. باب في توظيف الخراج ( قال ) رضي الله عنه : وإذا جعل الإمام قوما من الكفار أهل ذمة وضع الخراج على رءوس الرجال وعلى الأرضين بقدر الاحتمال أما خراج الرءوس ثابت بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله سبحانه وتعالى { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } وأما السنة ما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر وأخذ الحلل من نصارى نجران } وكانت جزية وقال { : سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب } يعني في أخذ الجزية منهم وقد طعن بعض الملحدين قال : كيف يجوز تقرير الكافر على الشرك الذي هو أعظم الجرائم بمال يؤخذ منه ولو جاز ذلك جاز تقرير الزاني على الزنا يؤخذ منه ؟ والكلام في هذا يرجع إلى الكلام في إثبات الصانع وأنه حكيم وإثبات النبوة ثم نقول : المقصود ليس هو المال بل الدعاء إلى الدين بأحسن الوجوه لأنه بعقد الذمة يترك القتال أصلا ولا يقاتل من لا يقاتل ثم يسكن بين المسلمين فيرى محاسن الدين ويعظه واعظ فربما يسلم إلا أنه إذا سكن دار [ ص: 78 ] الإسلام فما دام مصرا على كفره لا يخلا عن صغار وعقوبة وذلك بالجزية التي تؤخذ منه ليكون ذلك دليلا على ذل الكافر وعز المؤمن ثم يأخذ المسلمون الجزية منه خلفا عن النصرة التي فاتت بإصراره على الكفر لأن من هو من أهل دار الإسلام فعليه القيام بنصرة الدار وأبدانهم لا تصلح لهذه النصرة لأنهم يميلون إلى أهل الدار المعادية فيشوشون علينا أهل الحرب فيؤخذ منهم المال ليصرف إلى الغزاة الذين يقومون بنصرة الدار .

ولهذا يختلف باختلاف حاله في الغنى والفقر فإنه معتبر بأصل النصرة والفقير لو كان مسلما كأن ينصر الدار راجلا ووسط الحال كأن ينصر الدار راكبا والفائق في الغنى يركب ويركب غلاما فما كان خلفا عن النصرة يتفاوت بتفاوت الحال أيضا والأصل في معرفة المقدار حديث عمر رضي الله عنه فإنه وضع الجزية على رءوس الرجال اثني عشر درهما وأربعة وعشرين وثمانية وأربعين ونصب المقادير بالرأي لا يكون فعرفنا أنه اعتمد السماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذنا به وقلنا : المعتمل الذي يكتسب أكثر من حاجته ولا مال له يؤخذ منه كل سنة اثني عشر درهما والمعتمل الذي له مال ولكنه لا يستغني بماله عن العمل يؤخذ منه أربعة وعشرون درهما في كل سنة والفائق في الغنى وهو صاحب المال الكثير الذي لا يحتاج إلى العمل يؤخذ منه ثمانية وأربعون درهما ولا يمكن أن يقدر في المال بتقدير فإن ذلك يختلف باختلاف البلدان فبالعراق من يملك خمسين ألفا يعد وسط الحال وفي ديارنا من يملك عشرة آلاف درهم يعد غنيا فيجعل ذلك موكولا إلى رأي الإمام والحسن البصري كان يقول : إنما يؤخذ ثمانية وأربعون ممن يركب البغلة الشهباء ويتختم بخاتم الذهب وقد قيل : إنه بدل عن السكنى لأنه مع الإصرار على الكفر لا يكون من أهل دار الإسلام أصلا ولا يمكن من السكنى في دار الغير إلا بكراء فالفقير يكفيه لمؤنة السكنى في كل شهر درهم ووسط الحال يحتاج إلى أكثر من ذلك فيضعف عليه وكذلك الفائق في الغنى والأصح هو الأول أنه خلف عن النصرة كما بينا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى تتقدر الجزية بدينار ولا يختلف باختلاف حاله في الفقر والغنى بناء على أصله أن وجوب هذا المال بحقن الدم وذلك لا يختلف بفقره وغناه واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه { : خذ من كل حالم وحالمة دينارا } ولكنا نقول : ثبوت الحقن ليس بالمال بل بانعدام علة الإباحة وهو القتال ولصحة إحرازه نفسه وماله في دارنا لأنه بقبول عقد الذمة يصير من أهل دارنا حتى لا يمكن من الرجوع [ ص: 79 ] إلى دار الحرب بحال وحديث معاذ رضي الله عنه في مال كان وقع الصلح عليه دون الجزية ألا ترى أنه أمر بالأخذ من النساء والجزية لا تجب على النساء .

التالي السابق


الخدمات العلمية