الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب جواز الركعتين قبل المغرب

                                                                                                                                            447 - ( عن أنس قال : { كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يصلون ركعتين قبل المغرب ، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء ، } وفي رواية : إلا قليل . رواه أحمد والبخاري ، وفي لفظ : { كنا نصلي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب فقيل له : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما ؟ قال : كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا } . رواه مسلم وأبو داود ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            تقريره صلى الله عليه وسلم لمن رآه في ذلك الوقت يدل على عدم كراهة الصلاة فيه ولا سيما والفاعل لذلك عدد كثير من الصحابة ، وفي المسألة مذهبان للسلف استحبهما جماعة من الصحابة والتابعين ، ومن المتأخرين أحمد وإسحاق ، ولم يستحبهما الأربعة الخلفاء رضي الله عنهم وآخرون من الصحابة ومالك وأكثر الفقهاء .

                                                                                                                                            وقال النخعي : هما بدعة ، احتج من قال بالاستحباب بما في هذا الباب من الأحاديث الصحيحة ، وبما أخرجه ابن حبان من حديث عبد الله بن مغفل : { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين } فقد ثبتتا عنه صلى الله عليه وسلم قولا كما سيأتي وفعلا وتقريرا ، واحتج من قال بالكراهة بحديث عقبة بن عامر الذي قد مر ذكره في باب وقت صلاة المغرب ، وهو يدل على شرعية تعجيلها ، وفعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب .

                                                                                                                                            والحق أن الأحاديث الواردة بشرعية الركعتين قبل المغرب مخصصة لعموم أدلة استحباب التعجيل ، قال النووي : وأما قولهم يؤدي إلى تأخير المغرب فهذا خيال منابذ للسنة ولا يلتفت إليه ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها . وأما من زعم النسخ فهو مجازف ; لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا عجزنا عن التأويل والجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ وليس هنا شيء من ذلك انتهى . وهذا الاستحباب ما لم تقم الصلاة كسائر النوافل لحديث : { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة } .

                                                                                                                                            [ ص: 11 ] واعلم أن التعليل للكراهة بتأدية الركعتين إلى تأخير المغرب مشعر بأنه لا خلاف في أنه يستحب لمن كان في المسجد في ذلك الوقت منتظرا لقيام الجماعة ، وكان فعله للركعتين لا يؤثر في التأخير كما يقع من الانتظار بعد الأذان للمؤذن حتى ينزل من المنارة ، ولا ريب أن ترك هذه السنة في ذلك الوقت الذي لا اشتغال فيه بصلاة المغرب ولا بشيء من شروطها مع عدم تأثير فعلها للتأخير من الاستحواذات الشيطانية التي لم ينج منها إلا القليل . قوله : ( شيء ) التنوين فيه للتعظيم أي لم يكن بينهما شيء كثير ، ونفي الكثير يقتضي إثبات القليل ، وبهذا يجمع بين هذه الرواية ورواية قليل .

                                                                                                                                            وقال ابن المنير : يجمع بين الروايتين بحمل النفي المطلق على المبالغة مجازا ، والإثبات للقليل على الحقيقة ، وقد طول الكلام في ذلك الحافظ في الفتح فليرجع إليه .

                                                                                                                                            448 - ( وعن عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { صلوا قبل المغرب ركعتين ، قال : صلوا قبل المغرب ركعتين ، ثم قال عند الثالثة : لمن شاء } كراهية أن يتخذها الناس سنة . رواه أحمد والبخاري وأبو داود ، وفي رواية : { بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة ، ثم قال في الثالثة لمن شاء } . رواه الجماعة ) . زاد الإسماعيلي في روايته عن القواريري عن عبد الوارث في الرواية الأولى ثلاث مرات وهو موافق لما في رواية البخاري ; لأنها بلفظ قال " في الثالثة " وفي رواية لأبي نعيم في المستخرج " قالها ثلاثا ثم قال : لمن شاء " .

                                                                                                                                            قوله : ( كراهية أن يتخذها الناس سنة ) قال المحب الطبري : لم يرد نفي استحبابها ; لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب بل هذا الحديث من أدل الأدلة على استحبابها . ومعنى قوله : " سنة " أي شريعة وطريقة لازمة وكأن المراد انحطاط مرتبتها عن رواتب الفرائض ، ولهذا لم يعدها أكثر الشافعية في الرواتب ، واستدركها بعضهم وتعقب أنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليها .

                                                                                                                                            قوله : ( بين كل أذانين ) المراد بالأذانين الأذان والإقامة تغليبا . والرواية الأولى من حديث الباب تدل على استحباب هاتين الركعتين بخصوصها ، والرواية الأخرى بعمومها ، وقد عرفت الخلاف في ذلك .

                                                                                                                                            449 - ( وعن أبي الخير قال : { أتيت عقبة بن عامر ، فقلت له : ألا أعجبك من أبي تميم يركع ركعتين قبل صلاة المغرب ، فقال عقبة : إنا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : فما يمنعك الآن ؟ قال : الشغل } . رواه أحمد والبخاري ) . [ ص: 12 ] قوله : ( ألا أعجبك ) بضم أوله وتشديد الجيم من التعجب .

                                                                                                                                            قوله : ( من أبي تميم ) هو عبد الله بن مالك الجيشاني بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها معجمة تابعي كبير مخضرم أسلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عده جماعة في الصحابة . قال الحافظ في الفتح : وفيه رد على قول القاضي أبي بكر بن العربي : إنه لم يفعلهما أحد من الصحابة ; لأن أبا تميم تابعي وقد فعلهما . والحديث يدل على مشروعية صلاة الركعتين قبل المغرب وقد تقدم الكلام على ذلك .

                                                                                                                                            قوله : ( على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) هذه الصيغة فيها خلاف مذكور في الأصول وعلم الاصطلاح هل لها حكم الرفع وهل تشعر باطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فليطلب من موضعه .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية