الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان حكم الاستخلاف .

                                                                                                                                فحكمه صيرورة الثاني إماما وخروج الأول عن الإمامة وصيرورته في حكم المقتدي بالثاني ، ثم إنما يصير الثاني إماما ويخرج الأول عن الإمامة بأحد أمرين : إما بقيام الثاني مقام الأول ينوي صلاته ، أو بخروج الأول عن المسجد حتى لو استخلف رجلا وهو في المسجد بعد ولم يقم الخليفة مقامه فهو على إمامته حتى لو جاء رجل فاقتدى به صح اقتداؤه .

                                                                                                                                ولو أفسد الأول صلاته فسدت صلاتهم جميعا ; لأن الأول كان إماما وإنما يخرج عن الإمامة بانتقالها إلى غيره ضرورة أن الصلاة الواحدة لا يجتمع عليها إمامان أو بخروجه عن المسجد لفوت شرط صحة الاقتداء وهو اتحاد البقعة ، فإذا لم يتقدم غيره ولم يخرج من المسجد لم ينتقل والبقعة متحدة فبقي إماما في نفسه كما كان وقولنا ينوي صلاة الإمام حتى لو استخلف رجلا جاء ساعتئذ قبل أن يقتدي به فتقدم وكبر ، فإن نوى الاقتداء بالإمام وأن يصلي بصلاته صح استخلافه وجازت صلاتهم ، وقال بشر : لا يصح الاستخلاف بناء على أن الاقتداء بالإمام المحدث عنده غير صحيح ابتداء ; لأن بقاء الاقتداء به بعد الحدث أمر عرف [ ص: 233 ] بالنص بخلاف القياس ، والابتداء ليس في معنى البقاء ألا ترى أن حدث الإمام يمنع الشروع في الصلاة ابتداء ولا يمنع البقاء فيها ؟ فيمنع الاقتداء به أيضا ابتداء ، ولنا أنه لما كبر ونوى الدخول في صلاة الأول والأول بعد في المسجد وحرمة صلاته باقية صح الاقتداء وبقي الإمام الأول بعد صحة الاقتداء على الاستخلاف أي صار الثاني بعد اقتدائه به خليفة الأول بالاستخلاف السابق فصار مستخلفا من كان مقتديا به فيجوز ، وإن كان مسبوقا لما مر وإن كان كبر ونوى أن يصلي بهم صلاة مستقلة لم يصر مقتديا بالإمام الأول فتبين أن الإمام استخلف من ليس بمقتد به فلم يصح الاستخلاف وهذا ; لأن الاستخلاف أمر جوز شرعا بخلاف القياس فيراعى عين ما ورد فيه النص والنص ورد في استخلاف من هو مقتد به فبقي غير ذلك على أصل القياس وصلاة هذا الثاني صحيحة لأنه افتتحها منفردا بها وصلاة المنفرد جائزة وصلاة القوم فاسدة ; لأنه لما لم يصح استخلاف الثاني بقي الأول إماما لهم وقد خرج من المسجد فتفسد صلاتهم ولأنهم لما صلوا خلف الإمام الثاني صلوا خلف من ليس بإمام لهم وتركوا الصلاة خلف من هو إمامهم وكلا الأمرين مفسد للصلاة ; ولأنهم كانوا مقتدين بالأول فلا يمكنهم إتمامها مقتدين بالثاني ; لأن الصلاة الواحدة لا تؤدى بإمامين بخلاف خليفة الإمام الأول ; لأنه قام مقام الأول فكأنه هو بعينه فكان الإمام واحدا معنى وإن كان مثنى صورة ، وههنا الثاني ليس بخليفة للأول ; لأنه لم يقتد به قط فكان هذا أداء صلاة واحدة خلف إمامين صورة ومعنى وهذا لا يجوز .

                                                                                                                                وأما صلاة الإمام الأول فلم يتعرض لها في الكتاب ، واختلف مشايخنا فيها قال بعضهم : تفسد ; لأنه لما استخلفه اقتدى به والاقتداء بمن ليس معه في الصلاة يوجب فساد الصلاة وقال بعضهم : لا تفسد ; لأنه خرج من المسجد من غير استخلاف والأول أصح .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية