الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ما جاء في أكل الضب

                                                                                                          حدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن سليمان بن يسار أنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة بنت الحارث فإذا ضباب فيها بيض ومعه عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد فقال من أين لكم هذا فقالت أهدته لي أختي هزيلة بنت الحارث فقال لعبد الله بن عباس وخالد بن الوليد كلا فقالا أولا تأكل أنت يا رسول الله فقال إني تحضرني من الله حاضرة قالت ميمونة أنسقيك يا رسول الله من لبن عندنا فقال نعم فلما شرب قال من أين لكم هذا فقالت أهدته لي أختي هزيلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيتك جاريتك التي كنت استأمرتيني في عتقها أعطيها أختك وصلي بها رحمك ترعى عليها فإنه خير لك

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          4 - باب ما جاء في أكل الضب

                                                                                                          بفتح الضاد المعجمة ، وشد الموحدة حيوان بري كبير القد ، قيل : إنه لا يشرب الماء ، وإن لحمه يذهب العطش ، وأنه يعيش سبعمائة سنة فأزيد ، ولا يسقط له سن ، ويبول في كل أربعين يوما قطرة .

                                                                                                          1804 1757 - ( مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ) الأنصاري المازني من الثقات ( عن سليمان بن يسار ) - بتحتية ، ومهملة خفيفة - أحد الفقهاء التابعي ، ( أنه قال ) : مرسلا ، وقد رواه بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ميمونة : ( دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت ميمونة بنت الحارث ) الهلالية أم المؤمنين ، ( فإذا ضباب ) - بالكسر - جمع [ ص: 585 ] ضب ( فيها بيض ، ومعه عبد الله بن عباس ) ابن أخت ميمونة لبابة الصغرى .

                                                                                                          ( فقال ) - صلى الله عليه وسلم - : ( من أين لكم هذا ؟ فقالت ) ميمونة : ( أهدته لي أختي هزيلة )
                                                                                                          - بضم الهاء ، وفتح الزاي ، فتحتية فلام - ( بنت الحارث ) الهلالية صحابية تكنى أم حفيد - بضم الحاء المهملة ، وفتح الفاء - تزوجت في الأعراب .

                                                                                                          وفي الصحيحين : عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : " أهدت خالتي أم حفيد بنت الحارث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سمنا وأقطا وضبابا ، فأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - من السمن والأقط ، وترك الضب تقذرا " ، قال ابن عباس : فأكلنا من الضب على مائدته - صلى الله عليه وسلم - ولو كان حراما ما أكل على مائدته .

                                                                                                          وفي لفظ : " فدعا بهن - صلى الله عليه وسلم - فأكلن على مائدته ، ( فقال لعبد الله بن عباس ، وخالد بن الوليد : كلا ، فقالا : أو لا تأكل أنت يا رسول الله ؟ فقال : إني تحضرني من الله حاضرة ) ، قال ابن العربي : يحتمل أن يكون مع الضباب والبيض رائحة متكرهة ، فيكون من باب أكل البصل والثوم ، وإما أن يريد أن الملك ينزل عليه بالوحي ، ولا يصلح لمن كان في هذه المرتبة ارتكاب المشتبهات .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : معناه إن صحت هذه اللفظة ؛ لأنها لا توجد في غير هذا الحديث ، قوله في الحديث الآتي : " لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه " ، كذا قال وبعده لا يخفى .

                                                                                                          ( قالت ميمونة : أنسقيك يا رسول الله من لبن عندنا ؟ فقال : نعم ، فلما شرب قال : من أين لكم هذا ؟ ) : اللبن ، ( قالت : أهدته لي أختي هزيلة ) - بضم الهاء ، وفتح الزاي - ( فقال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - : أرأيتك ) - بكسر التاء ، والكاف - أي : أخبريني عن شأن ( جاريتك ) ، وكانت سوداء كما عند النسائي ، قال الحافظ : ولم أقف على اسمها ( التي كنت استأمرتيني ) بدون ياء للتخفيف ، كقوله : فلو أنك في يوم الرخا سألتني .

                                                                                                          وفي نسخة : سألتيني استأمرتيني بالياء على الأصل ، ( في عتقها أعطيها أختك ) هزيلة المذكورة ، ( وصلي بها رحمك ترعى عليها مواشيها فإنه خير لك ) من عتقها لتعدي النفع ، ففيه أن الهبة لذوي الرحم أفضل من العتق كما قال ابن بطال ، لكن ليس على إطلاقه بل [ ص: 586 ] يختلف باختلاف الأحوال ، وقد بين وجه الأفضلية هنا بقوله : ترعى عليها .

                                                                                                          وفي رواية النسائي : " أفلا فديت بها بنت أختك من رعاية الغنم " ، على أنه ليس في حديث الباب نص على أن صلة الرحم أفضل من العتق ؛ لأنها واقعة عين ، ثم لا تعارض بين هذا الحديث وبين حديث الصحيحين عن ميمونة : " أنها أعتقت وليدة ، ولم تستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما كان يومها قالت : أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي ، قال : أو فعلت لو أعطيتها أخواتك كان أعظم لأجرك " ؛ لأنه يجمع بينهما بأنها استأمرته ، فلم يرجع إليها بشيء ، فأعتقتها بدون استئذان ظنا أن سكوته رضا ، فلما كان يومها وقدمت له الهدية ، وشرب من اللبن ، وسألها ، وأخبرته أنه هدية ، أمرها بأن تعطيها الجارية ؛ لأنه لم يعلم بأنها أعتقتها ، فأخبرته فقال : لو أعطيتها أخواتك . . . إلخ ، وهو بالفوقية جمع أخت ، وفي رواية : باللام جمع خال ، ورجح عياض الفوقية بدليل رواية الموطأ : أختك ، وجمع باحتمال أنه عليه السلام قال ذلك .




                                                                                                          الخدمات العلمية