الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ، أجرى الله تعالى الحكمة بأن أكثر أتباع الرسل ضعفاء الناس ، ولذلك لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن نبينا - صلى الله عليه وسلم : " أأشراف الناس يتبعونه ، أم ضعفاؤهم ؟ فقال : بل ضعفاؤهم ، قال : هم أتباع الرسل " .

                                                                                                                                                                                                                                      فإذا عرفت ذلك ، فاعلم أنه تعالى أشار إلى أن من حكمة ذلك فتنة بعض الناس ببعض ، فإن أهل المكانة والشرف والجاه يقولون : لو كان في هذا الدين خير لما سبقنا إليه هؤلاء ; لأنا أحق منهم بكل خير كما قال هنا : وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا الآية [ 6 \ 53 ] ، إنكارا منهم أن يمن الله على هؤلاء الضعفاء دونهم ، زعما منهم أنهم أحق بالخير منهم ، وقد رد الله قولهم هنا بقوله : أليس الله بأعلم بالشاكرين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أوضح هذا المعنى في آيات أخر كقوله تعالى : وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه الآية [ 46 \ 11 ] ، وقوله : وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا [ 19 \ 73 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى : أنهم لما رأوا أنفسهم أحسن منازل ومتاعا من ضعفاء المسلمين اعتقدوا أنهم أولى منهم بكل خير ، وأن اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - لو كان خيرا ما سبقوهم إليه ، ورد الله افتراءهم هذا بقوله : وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا [ ص: 480 ] [ 19 \ 74 ] ، وقوله : أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون [ 23 \ 55 ، 56 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية