الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: سلام جوز أن يكون بدلا من ما بدل بعض من كل ولزوم الضمير غير مسلم، وقوله تعالى: [ ص: 38 ] (قولا) مفعول مطلق لفعل محذوف والجملة صفة "سلاما"، وقوله - تعالى - : من رب رحيم صفة (قولا) أي سلام يقال لهم قولا من جهة رب رحيم أي يسلم عليهم من جهته تعالى بلا واسطة تعظيما لهم، فقد أخرج ابن ماجه وجماعة عن جابر قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة وذلك قول الله تعالى سلام قولا من رب رحيم قال فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم"

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل بواسطة الملائكة - عليهم السلام - لقوله تعالى والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم وروي ذلك عن ابن عباس ، وعلى الأول الأكثرون، وأما ما قيل إن ذلك سلام الملائكة على المؤمنين عند الموت فليس بشيء، والبدلية المذكورة مبنية على أن ما عامة.

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز أن يكون بدل كل من كل على تقدير أن يراد بها خاص أو على ادعاء الاتحاد تعظيما، ولا بأس في إبدال هذه النكرة منها على تقدير موصوليتها لأنها نكرة موصوفة بالجملة بعدها، على أنه يجوز أن يلتزم جواز إبدال النكرة من المعرفة مطلقا من غير قبح، ويجوز أن يكون سلام خبر مبتدأ محذوف والجملة بعده صفته أي هو أو ذلك سلام يقال قولا من رب رحيم، والضمير لـ "ما" وكذا الإشارة، وجوز أن يكون صفة لـ "ما" أي لهم ما يدعون سالم أو ذو سلامة مما يكره، " وقولا " مصدر مؤكد لقوله تعالى ولهم ما يدعون سلام أي عدة من رب رحيم، وهذه الوصفية على تقدير كون ما نكرة موصوفة ولا يصح على تقدير كونها موصولة للتخالف تعريفا وتنكيرا وأن يكون خبرا لـ "ما"، و(لهم) متعلق به لبيان الجهة كما يقال لزيد الشرف متوفر أي ما يدعون سالم لهم خالص لا شوب فيه، ونصب (قولا) على ما سمعت آنفا.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الكشاف الأوجه أن ينتصب على الاختصاص وهو من مجازه فيكون الكلام جملة مفصولة عما سبق ولا ضير في نصب النكرة على ذلك، وجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي ولهم سلام يقال قولا من رب رحيم، وقدر الخبر مقدما لتكون الجملة على أسلوب أخواتها لا ليسوغ الابتداء بالنكرة فإن النكرة موصوفة بالجملة بعدها، وظاهر كلامهم تقدير العاطف أيضا ويمكن أن لا يقدر، وفصل الجملة على ما قيل لأنها كالتعليل لما تضمنته لآي قبلها فإن سلام الرب الرحيم منشأ كل تعظيم وتكريم، وجوز - على تقدير كونه مبتدأ - تقدير الخبر المحذوف عليهم، قال الإمام: فيكون ذلك إخبارا من الله تعالى في الدنيا كأنه سبحانه حكى لنا وقال جل شأنه إن أصحاب الجنة اليوم في شغل ثم لما كمل بيان حالهم قال سلام عليهم وهذا كما قال سبحانه سلام على نوح ، وسلام على المرسلين ، فيكون - جل وعلا - قد أحسن إلى عباده المؤمنين كما أحسن إلى عباده المرسلين ثم قال:

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا وجه مبتكر جيد ما يدل عليه فنقول: أو نقول تقديره سلام عليكم ويكون هذا نوعا من الالتفات حيث قال تعالى لهم كذا وكذا ثم قال سبحانه سلام عليكم اهـ.

                                                                                                                                                                                                                                      ووجه الابتداء بـ "سلام" في مثل هذا التركيب موصوفا كان أم لا معروف عند أصاغر الطلبة. وقرأ محمد بن كعب القرظي "سلم" بكسر السين وسكون اللام ومعناه سلام. وقال أبو الفضل الرازي: مسالم لهم أي ذلك مسالم وليس بذاك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبي وعبد الله وعيسى والغنوي "سلاما" بالنصب على المصدر أي يسلم عليهم سلاما أو على الحال من ضمير "ما" في الخبر أو منها على القول بجواز مجيء الحال من المبتدأ أي ولهم مرادهم خالصا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية