الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين ( 14 ) )

يقول تعالى ذكره : ( ولما بلغ ) موسى ( أشده ) ، يعني حان شدة بدنه وقواه ، وانتهى ذلك منه ، وقد بينا معنى الأشد فيما مضى بشواهده ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .

وقوله : ( واستوى ) يقول : تناهي شبابه ، وتم خلقه واستحكم . وقد اختلف في مبلغ عدد سني الاستواء ، فقال بعضهم : يكون ذلك في أربعين سنة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : ( واستوى ) قال : أربعين سنة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( ولما بلغ أشده ) قال : ثلاثا وثلاثين سنة .

قوله : ( واستوى ) قال : بلغ أربعين سنة .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ( ولما بلغ أشده ) قال : بضعا وثلاثين سنة . [ ص: 536 ]

قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ولما بلغ أشده ) قال : ثلاثا وثلاثين سنة .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ( أشده واستوى ) قال : أربعين سنة ، وأشده : ثلاثا وثلاثين سنة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( ولما بلغ أشده واستوى ) قال : كان أبي يقول : الأشد : الجلد ، والاستواء : أربعون سنة .

وقال بعضهم : يكون ذلك في ثلاثين سنة .

وقوله : ( آتيناه حكما وعلما ) يعني بالحكم : الفهم بالدين والمعرفة .

كما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( آتيناه حكما وعلما ) قال : الفقه والعقل والعمل قبل النبوة .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ( آتيناه حكما وعلما ) قال : الفقه والعمل قبل النبوة .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( ولما بلغ أشده واستوى ) آتاه الله حكما وعلما : وفقها في دينه ودين آبائه ، وعلما بما في دينه وشرائعه وحدوده .

وقوله : ( وكذلك نجزي المحسنين ) يقول تعالى ذكره : كما جزينا موسى على طاعته إيانا وإحسانه بصبره على أمرنا ، كذلك نجزي كل من أحسن من رسلنا وعبادنا ، فصبر على أمرنا وأطاعنا ، وانتهى عما نهيناه عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية