الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1711 [ ص: 247 ] ( 4 ) باب النهي عن الأكل بالشمال

                                                                                                                        1712 - مالك ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الرجل بشماله ، أو يمشي في نعل واحدة ، وأن يشتمل الصماء ، وأن يحتبي في ثوب واحد كاشفا عن فرجه .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        39464 - قال أبو عمر : الأكل بالشمال يأتي القول فيه بعد في هذا الباب ، وقد مضى القول في المشي في نعل واحدة ، وأما اشتمال الصماء فقد فسرها أهل اللغة ، وفسرها الفقهاء ، وأتى في الآثار تفسيرها وهي أعلى ما في ذلك .

                                                                                                                        39465 - قال أبو عبيد : قال الأصمعي : اشتمال الصماء عند العرب : أن يشتمل الرجل بثوبه ، فيجلل به جسده كله ، ولا يرفع منه جانبا يخرج منه يده ، وربما اضطجع فيه على تلك الحال .

                                                                                                                        39466 - قال أبو عبيد : كأنه يذهب إلى أنه لا يدري لعله يصيبه شيء يريد الاحتراس منه ، وأن يدفعه بيده ، فلا يقدر على ذلك لإدخاله يديه جميعا في ثيابه . فهذا كلام العرب .

                                                                                                                        39467 - قال : وأما تفسير الفقهاء ، فإنهم يقولون : هو أن يشتمل الرجل بثوب واحد ، ليس عليه غيره ، ثم يرفعه من أحد جانبيه ، ويضعه على منكبيه ، [ ص: 248 ] فيبدو منه فرجه .

                                                                                                                        39468 - قال أبو عبيد : والفقهاء أعلم بالتأويل في هذا ، وذلك أصح معنى في الكلام .

                                                                                                                        39469 - وقال الأخفش : الاشتمال أن يلتف الرجل بردائه أو بكسائه ، من رأسه إلى قدمه ، يرد طرف الثوب الأيمن على منكبه الأيسر ، فهذا هو الاشتمال .

                                                                                                                        39470 - فإن هو لم يرد طرفه الأيمن على منكبه الأيسر ، وتركه مرسلا إلى الأرض ، فذلك السدل الذي نهي عنه .

                                                                                                                        39471 - قال : وقد روي في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل وقد سدل ثوبه ، فعطفه عليه حتى صار مشتملا .

                                                                                                                        39472 - قال : فإن لم يكن على الرجل إلا ثوب واحد ، فاشتمل به ، فرفع الثوب عن يساره ، حتى ألقاه عن منكبه [ فقد انكشف ] شقه الأيسر [ كله ] .

                                                                                                                        39473 - وهذا هو اشتمال الصماء الذي نهي عنه .

                                                                                                                        39474 - فإن هو أخذ طرف الثوب الأيسر من تحت يده اليسرى ، [ فألقاه ] على منكبه [ الأيمن وألقى طرف الثوب الأيمن من تحت يده اليمنى على منكبه [ ص: 249 ] الأيسر ] ، فهذا التوشح الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه صلى في ثوب واحد متوشحا به صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        39475 - قال : وأما الاضطباع فإنه للمحرم ، وذلك أنه يكون مرتديا بالرداء أو مشتملا [ فينكشف ] منكبه الأيمن حتى يصير الثوب تحت إبطيه .

                                                                                                                        39476 - وهذا معنى الحديث الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه طاف وسعى مضطبعا ببرد أخضر .

                                                                                                                        39477 - وقد روي عن عمر بن عبد العزيز مثله .

                                                                                                                        39478 - قال : والارتداء أن يأخذ بطرفي الثوب ، فيلقيهما على صدره ومنكبيه ، وسائر الثوب خلفه .

                                                                                                                        39479 - وقال ابن وهب : اشتمال الصماء أن يرمي بطرفي الثوب [ جميعا ] على شقه الأيسر .

                                                                                                                        39480 - وقد كان مالك أجازها على [ ثوب ] ، ثم كرهها .

                                                                                                                        39481 - وفي سماع ابن القاسم ، عن مالك قال : سئل مالك عن الصماء : [ ص: 250 ] كيف هي ؟ قال : يشتمل الرداء ، ثم يلقي الثوب على منكبيه ، ويخرج يده اليسرى من تحت الثوب ، وليس عليه إزار . [ قيل له : أرأيت إن لبس الثوب هكذا وعليه إزار ؟ قال : لا بأس بذلك .

                                                                                                                        39482 - قال ابن القاسم : ثم كرهه بعد ذلك وإن كان عليه إزار .

                                                                                                                        39483 - قال ابن القاسم : وترك ذلك أحب إلي للحديث ، ولست أراه ضيقا إذا كان عليه إزار ] .

                                                                                                                        39484 - قال مالك : والاضطباع أن يرتدي الرجل ، فيخرج ثوبه من تحت يده اليمنى .

                                                                                                                        39485 - قال ابن القاسم : وأراه من ناحية الصماء .

                                                                                                                        39486 - قال أبو عمر : قد ذكرنا ما جاء في الآثار المرفوعة من تفسير الصماء في " التمهيد " في باب أبي الزبير .

                                                                                                                        39487 - والأصل في ذلك النهي عن كل لبسة ينكشف الرجل فيها حتى يبدو فرجه ، فإنه لا يحل لأحد كشف فرجه في موضع ينظر إليه آدمي إلا حليلته امرأته أو أمته ، وهذا أمر مجتمع عليه ، وقد جاء منصوصا في حديث أبي سعيد الخدري وغيره ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه نهى عن الصماء ، ونهى أن يلتحف الرجل أو [ ص: 251 ] يحتبي في ثوب واحد ، ليس على عورته منه شيء " .

                                                                                                                        39488 - وفي بعضها " كاشفا عن فرجه " .

                                                                                                                        39489 - وأما اشتقاق اللفظة في اللغة فإنما قيل لتلك اللبسة " الصماء " لأنها لبسة لا انفتاح [ فيها كأن لفظها مأخوذ من الصم ، ومنه قيل لمن لا يسمع : أصم لأنه لا انفتاح ] في سمعه ، ومنه قيل للفريضة التي لا تتفق سهامها : صماء ، لأنه لا انفتاح فيها .

                                                                                                                        39490 - قال أبو عمر : الاسم الشرعي أولى في هذا القول من اللغوي .




                                                                                                                        الخدمات العلمية