الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثامنة :

                                                                                                                                                                                                              قوله تعالى : { فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا } أما السفيه ففيه أربعة أقوال : الأول : أنه الجاهل ; قاله مجاهد . الثاني : أنه الصبي . الثالث : أنه المرأة والصبي ; قاله الحسن . الرابع : المبذر لماله المفسد لدينه ; قاله الشافعي .

                                                                                                                                                                                                              وأما الضعيف فقيل : هو الأحمق ، وقيل : هو الأخرس أو الغبي ، واختاره الطبري .

                                                                                                                                                                                                              وأما الذي لا يستطيع أن يمل ، ففيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الغبي ; قاله ابن عباس . الثاني : أنه الممنوع بحبسة أو عي . الثالث : أنه المجنون .

                                                                                                                                                                                                              وهذا فيه نظر طويل نخبته : أن الله سبحانه جعل الذي عليه الحق أربعة أصناف : مستقل بنفسه يمل ، وثلاثة أصناف لا يملون ، ولا يصح أن تكون هذه الأصناف الثلاثة صنفا واحدا أو صنفين ; لأن تعديد الباري سبحانه كأنه يخلو عن الفائدة ، ويكون من فن المثبج [ من ] القول الركيك من الكلام ، ولا ينبغي هذا في كلام حكيم ، فكيف في كلام أحكم الحاكمين .

                                                                                                                                                                                                              فتعين والحالة هذه أن يكون لكل صنف من هذه الأصناف الثلاثة معنى ليس لصاحبه حتى تتم البلاغة ، وتكمل الفائدة ، ويرتفع التداخل الموجب للتقصير ; وذلك [ ص: 331 ] بأن يكون السفيه والضعيف والذي لا يستطيع ، قريبا بعضه من بعض في المعنى ; فإن العرب تطلق السفيه على ضعيف العقل تارة وعلى ضعيف البدن أخرى ، وأنشدوا :

                                                                                                                                                                                                              مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم

                                                                                                                                                                                                              أي : استضعفتها واستلانتها فحركتها . وكذلك يطلق الضعيف على ضعيف العقل ، وعلى ضعيف البدن ، وقد قالوا : الضعف بضم الضاد في البدن ، وفتحها في الرأي ، وقيل هما لغتان ، وكل ضعيف لا يستطيع ما يستطيعه القوي ; فثبت التداخل في معنى هذه الألفاظ . وتحريرها الذي يستقيم به الكلام ويصح معه النظام أن السفيه هو المتناهي في ضعف العقل وفساده ، كالمجنون والمحجور عليه ، نظيره الشاهد له قوله تعالى : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما } على ما سيأتي في سورة النساء إن شاء الله تعالى . وأما الضعيف فهو الذي يغلبه قلة النظر لنفسه كالطفل نظيره ، ويشهد له قوله تعالى : { وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم } وأما الذي لا يستطيع أن يمل فهو الغبي الذي يفهم منفعته لكن لا يلفق العبارة عنها .

                                                                                                                                                                                                              والأخرس الذي لا يتبين منطقه عن غرضه ; ويشهد لذلك أنه لم ينف عنه أنه لا يستطيع أن يمل خاصة .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية