الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              2265 17 - باب في ادعاء ولد الزنا

                                                              187 \ 2171 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن كل مستلحق استلحق بعد أبيه الذي يدعى له ادعاه ورثته، فقضى أن كل من كان من أمة يملكها يوم أصابها، فقد لحق بمن استلحقه، وليس له مما قسم قبله من الميراث، وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه، ولا يلحق إذا كان أبوه الذي يدعى له أنكره، وإن كان من أمة لم يملكها أو من حرة عاهر بها، فإنه لا يلحق به ولا يرث، وإن كان الذي يدعى له هو ادعاه فهو ولد زنية، من حرة كان أو أمة .

                                                              وفي رواية: هو ولد زنا لأهل أمه من كانوا، حرة كانت أو أمة، وذلك فيما استلحق في أول الإسلام، فما اقتسم من مال قبل الإسلام فقد مضى .

                                                              [ ص: 559 ] وقد تقدم الكلام على عمرو بن شعيب. وروى عن عمرو هذا الحديث محمد بن راشد المكحولي، وفيه مقال .

                                                              قال بعضهم : هذه أحكام وقعت في أول زمان الشريعة، وكان حدوثها ما بين الجاهلية وبين قيام الإسلام، كان لأهل الجاهلية إماء وهن البغايا اللواتي ذكرهن الله عز وجل في قوله: ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ، إذ كانت السادة يلمون بهن، فإذا جاءت بولد وكان سيدها يطؤها وقد وطئها غيره بالزنا، فربما ادعاه الزاني وربما ادعاه السيد، فحكم صلى الله عليه وسلم بالولد لسيدها، لأن الأمة فراش له، ونفاه عن الزاني - ثم ذكر الاستلحاق .

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: وليس كما قال، فإن هذا القضاء إنما وقع بالمدينة بعد قيام الإسلام ومصيرها دار هجرة. وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم على صور:

                                                              الصورة الأولى: أن يكون الولد من أمته التي في ملكه وقت الإصابة، فإذا استلحقه لحق به من حين استلحقه، وما قسم من ميراثه قبل استلحاقه لم ينقض، ويورث منه المستلحق، وما كان بعد استلحاقه من ميراث لم يقسم ورث منه نصيبه، فإنه إنما تثبت بنوته من حين استلحقه، فلا تنعطف على ما [ ص: 560 ] تقدم من قسمة المواريث.

                                                              وإن أنكره لم يلحق به، وسماه "أباه" على كونه يدعى له ويقال إنه منه، [لا] أنه أبوه في حكم الشرع، إذ لو كان أباه حكما لم يقبل إنكاره ولحق به.

                                                              الصورة الثانية: أن يكون الولد من أمة لم تكن في ملكه وقت الإصابة، فهذا ولد زنا لا يلحق به ولا يرثه، بل نسبه منقطع منه.

                                                              وكذلك إذا كان من حرة قد زنى بها، فالولد غير لاحق به ولا يرث منه، وإن كان هذا الزاني الذي يدعى الولد له، - يعني أنه منه - قد ادعاه لم تفد دعواه شيئا، بل الولد ولد زنا، وهو لأهل أمه؛ إن كانت أمة فمملوكة لمالكها، وإن كانت حرة فنسبه إلى أمه وأهلها، دون هذا الزاني الذي هو منه.

                                                              وقوله في أول الحديث: استلحق بعد أبيه الذي يدعى له، ادعاه ورثته ، الأب هاهنا هو الزاني الذي منه الولد، وسماه أبا تسمية مقيدة بكون الولد منه، ولهذا قال " الذي يدعى له " يعني يقال: إنه منه، ويدعى له في الجاهلية أنه أبوه. فإذا ادعاه ورثة هذا الزاني فالحكم ما ذكر.

                                                              ونظير هذا القضاء: قصة سعد بن أبي وقاص، وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة، فإن ورثة عتبة - وهو سعد - ، ادعى الولد أنه من أخيه، وادعى عبد أنه أخوه، ولد على فراش أبيه، فألحقه النبي صلى الله عليه وسلم بمالك الأمة، دون عتبة. وهو تفسير قوله: وإن كان من أمة لم يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه لا يلحق [ ص: 561 ] به ولا يرث ، وسيأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى.

                                                              وقد يتمسك به من يقول: الأمة لا تكون فراشا، وإنما يلحق الولد للسيد بالدعوة، لا بالفراش، كقول أبي حنيفة، لقوله: من كان من أمة يملكها يوم أصابها فقد لحق بمن استلحقه ؛ فإنما جعله لاحقا به بالاستلحاق، لا بالإصابة.

                                                              ولكن قصة عبد بن زمعة أصح من هذا وأصرح، في كون الأمة تصير فراشا، كما تكون الحرة، يلحق الولد بسيدها بحكم الفراش، كما يلحق بالحرة كما سيأتي. وليس في حديث عمرو بن شعيب أنه لا يلحق ولده من أمته إلا بالاستلحاق، وإنما فيه أنه عند تنازع سيدها والزاني في ولدها، يلحق بسيدها الذي استلحقه دون الزاني، وهذا مما لا نزاع فيه؛ فالحديثان متفقان. والله أعلم.




                                                              الخدمات العلمية