الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الرابع ) من مسالك العلة ( المناسبة ، و ) يقال ( الإخالة ) ( واستخراجها ) أي استخراج العلة بذلك ( يسمى تخريج المناط ) لما فيه من ابتداء ما نيط به الحكم ، أي علق عليه ( وهو ) أي تخريج المناط ( تعيين علة الأصل بإبداء المناسبة من ذات الوصف ) يعني أن يكون الأصل مشتملا على وصف مناسب للحكم ، فيحكم العقل بوجود تلك المناسبة : أن ذلك الوصف هو علة الحكم كالإسكار للتحريم ، والقتل العمد العدوان للقصاص ( والمناسبة ) هنا ( لغوية ) بخلاف المعرف ، وهو المناسبة ، فإنها بالمعنى الاصطلاحي ، حتى لا يكون تعريفا للشيء بنفسه ( والمناسب : ما تقع المصلحة عقبه ) قال في الروضة : ومعنى المناسب أن يكون في إثبات الحكم عقبه مصلحة ( وزيد لرابط ما عقلي ) قال الطوفي في مختصره : المناسب : هو ما تتوقع المصلحة عقبه لرابط ما عقلي . وقال في شرحه : اختلف في تعريف المناسب ، واستقصاء القول فيه من المهمات ; لأن عليه مدار الشريعة ، بل مدار الوجود ، إذ لا وجود إلا وهو على وفق المناسبة العقلية ، لكن أنواع المناسبة تتفاوت في العموم والخصوص ، والخفاء ، والظهور ، فما خفيت عنا مناسبته سمي تعبدا ، وما ظهرت مناسبته سمي معللا ، فقولنا : المناسب ما تتوقع المصلحة عقبه ، أي إذا وجد أو إذا سمع : أدرك العقل السليم كون ذلك الوصف سببا مفضيا إلى مصلحة من المصالح لرابط ما من الروابط العقلية بين تلك المصلحة وذلك الوصف ، وهو معنى قولي " لرابط ما عقلي " مثاله : إذا قيل : المسكر حرام ، أدرك العقل أن تحريم السكر مفض إلى مصلحة ، وهي حفظ العقل من الاضطراب . وإذا قيل : القصاص مشروع ، أدرك العقل أن مشروعية القصاص سبب مفض إلى مصلحة ، وهي حفظ النفوس . ثم قال قلت : لرابط عقلي ، أخذا من النسب الذي هو القرابة ، فإن المناسب هنا مستعار ومشتق من ذلك ، ولا شك أن المتناسبين في باب النسب ، كالأخوين وابني العم ونحوه ، [ ص: 520 ] إنما كانا متناسبين لمعنى رابط بينهما ، وهو القرابة . فكذلك الوصف المناسب هنا لا بد أن يكون بينه وبين ما يناسبه من المصلحة رابط عقلي وهو كون الوصف صالحا للإفضاء إلى تلك المصلحة ا هـ .

( ويتحقق الاستقلال ) على أن الوصف الذي أبداه هو العلة ( بعدم ما سواه ب ) طريق ( السبر ) ولا يكفي أن يقول : بحثت فلم أجد غيره ، وإلا يلزم الاكتفاء به ابتداء ، ولا قائل به ، بخلاف ما سبق في طريق السبر والتقسيم ، فإنه يكتفى بذلك ; لأن المدار هناك على الحصر ، فاكتفي فيه بقوله : بحثت فلم أجد غيره .

وهنا على أنه ظفر بوصف مناسب ، فافترقا ( و ) المعنى ( المقصود من شرع الحكم ) : ( قد يعلم حصوله ) يقينا ( كبيع ) فإنه إذا كان صحيحا حصل منه الملك الذي هو المقصود ( أو ) قد ( يظن ، كقصاص ) فإن حصول الانزجار عن القتل ليس قطعيا ، بدليل وجود الإقدام مع علمهم بأن القصاص مشروع ( أو ) قد ( يشك فيه ) بأن يتساوى حصول المقصود وعدم حصوله ، فلا يوجد يقين ولا ظن ، بل يكونان متساويين . قال صاحب البديع : ولا مثال له على التحقيق ، ويقرب منه ما مثل به ابن الحاجب من حد شارب المسكر لحفظ العقل ; فإن المقدمين كثير ، والمجتنبين كثير ، فتساوى المقصود وعدمه فيه . ولهذا مثله في الأصل بقوله ( كحد خمر ) ، ( أو ) قد ( يتوهم ) حصوله ، بأن يكون عدم حصول المقصود أرجح من حصوله ( كنكاح آيسة ) من الحيض ( للتوالد ) ; لأنه مع إمكانه عقلا بعيد عادة . وقيل : لا يعلل بما قد يشك فيه أو يتوهم . والأظهر : بلى ، اتفاقا إن ظهر المقصود . في غالب صور الجنس ، وإلا فلا . لاحتمال الترتب وعدمه سواء ، أو عدمه أرجح وفي الفنون وغيره : السفر مشقة عامة ، ويختلف قدرها . ولذا تحسن التهنئة بالقدوم للجميع ، كالمرضى بالسلامة ( ولو فات ) المقصود ( يقينا ، كلحوق نسب مشرقي بمغربية ونحوه لم يعلل به ) عند الجمهور ، وخالف في ذلك الحنفية ، فيلحق عندهم النسب لو تزوج بطريق التوكيل مشرقي بمغربية ، فأتت بولد ، مع القطع بانتفاء اجتماعهما ; لاقتضاء الزواج ذلك في الأغلب حفظا للنسب .

التالي السابق


الخدمات العلمية