الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          باب الباء والواو وما معهما في الثلاثي

                                                          ( بوأ ) الباء والواو والهمزة أصلان : أحدهما الرجوع إلى الشيء ، والآخر تساوي الشيئين .

                                                          فالأول الباءة والمباءة ، وهي منزلة القوم ، حيث يتبوءون في قبل واد [ أ ] و سند جبل . ويقال قد تبوءوا ، وبوأهم الله تعالى منزل صدق . قال طرفة :


                                                          طيبو الباءة سهل ولهم سبل إن شئت في وحش وعر

                                                          وقال ابن هرمة :


                                                          وبوئت في صميم معشرها     فتم في قومها مبوؤها

                                                          والمباءة أيضا : منزل الإبل حيث تناخ في الموارد . يقال أبأنا الإبل نبيئها إباءة - ممدودة - إذا أنخت بعضها إلى بعض . قال :

                                                          [ ص: 313 ]

                                                          خليطان بينهما مئرة     يبيئان في معطن ضيق

                                                          وقال :


                                                          لهم منزل رحب المباءة آهل

                                                          قال الأصمعي : يقال قد أباءها الراعي إلى مبائها فتبوأته ، وبوأها إياه تبويئا . أبو عبيد : يقال فلان حسن البيئة على فعلة ، من قولك تبوأت منزلا . وبات فلان ببيئة سوء . قال :


                                                          ظللت بذي الأرطى فويق مثقب     ببيئة سوء هالكا أو كهالك

                                                          ويقال هو ببيئة سوء بمعناه . قال أبو مهدي : يقال باءت على القوم بائيتهم إذا راحت عليهم إبلهم . ومن هذا الباب قولهم أبئ عليه حقه ، مثل أرح عليه حقه . وقد أباءه عليه إذا رده عليه . ومن هذا الباب قولهم باء فلان بذنبه ، كأنه عاد إلى مباءته محتملا لذنبه . وقد بؤت بالذنب ، وباءت اليهود بغضب الله تعالى .

                                                          والأصل الآخر قول العرب : إن فلانا لبواء بفلان ، أي إن قتل به كان كفوا . ويقال أبأت بفلان قاتله ، أي قتلته . واستبأتهم قاتل أخي ، أي طلبت إليهم أن يقيدوه . واستبأت به مثل استقدت . قال :

                                                          [ ص: 314 ]

                                                          فإن تقتلوا منا الوليد فإننا     أبأنا به قتلى تذل المعاطسا

                                                          وقال زهير :


                                                          فلم أر معشرا أسروا هديا     ولم أر جار بيت يستباء

                                                          وتقول : باء فلان بفلان ، إذا قتل به . قال :


                                                          ألا تنتهي عنا ملوك وتتقي     محارمنا لا يبوء الدم بالدم

                                                          أي من قبل أن يبوء الدماء ; إذا استوت في القتل فقد باءت .

                                                          ومن هذا الباب قول العرب : كلمناهم فأجابونا عن بواء واحد : [ أجابوا ] كلهم جوابا واحدا . وهم في هذا الأمر بواء أي سواء ونظراء . وفي الحديث : أنه أمرهم أن يتباءوا ، أي يتباءون في القصاص . ومنه قول مهلهل لبجير بن الحارث : " بؤ بشسع كليب " . وأنشد :


                                                          فقلت له بؤ بامرئ لست مثله     وإن كنت قنعانا لمن يطلب الدما

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية