الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          ويجب إعفاف من تجب له النفقة ( من عمودي نسبه وغيرهم ) ; لأنه مما تدعو حاجته إليه ويستضر بفقده ولا يشبه ذلك الحلوى ; لأنه لا يستضر بتركها فيجب إعفاف من تجب نفقته من الآباء والأجداد والأولاد والإخوة والأعمام ويقدم إن ضاق الفاضل الأقرب فالأقرب كالنفقة ( بزوجة حرة أو سرية تعفه ) لحصول المقصود بها ( ولا يملك ) من أعف بسرية ( استرجاعها مع غناء ) أي الفقير كالزكاة ولا أن يزوجه أمة ( و ) إن عين أحدهما امرأة والآخر غيرها ( يقدم تعيين قريب ) منفق ( والمهر سواء على ) تعيين ( زوج ) ; لأنه المطلوب بنفقتها وتوابعها وليس له تعيين عجوز قبيحة المنظر أو معيبة ( ويصدق ) منفق عليه ( أنه تائق ) للنكاح ( بلا يمين ) ; لأنه مقتضى الظاهر .

                                                                          وفي الفروع ويتوجه بيمينه ( ويعتبر ) لوجوب إعفاف ( عجزه ) أي المنفق عليه عن مهر حرة أو ثمن أمة فإن قدر على ذلك لم يجب على غيره .

                                                                          ( ويكتفي ) في الإعفاف ( بواحدة ) زوجة أو سرية لاندفاع الحاجة بها ( فإن ماتت ) زوجة أو سرية أعفه بها ( أعفه ثانيا ) ; لأنه لا صنع له في ذلك ( لا إن طلق بلا عذر ) أو أعتق السرية ولم يجعل عتقها صداقها فليس عليه أن يعفه ثانيا ; لأنه المفوت على نفسه ( ويلزمه إعفاف أم كأب ) أي كما يلزم إعفاف أب .

                                                                          قال [ ص: 242 ] القاضي : ولو سلم فالأب آكد ، ولأنه لا يتصور ; لأن الإعفاف لها بالتزويج ، ونفقتها على الزوج . قال في الفروع ويتوجه تلزمه نفقته إن تعذر تزويج بدونها ، وبنت ونحوها كأم ( و ) يلزم من وجب عليه نفقته ( خادم للجميع ) أي جميع من تلزمه نفقتهم ( لحاجة ) إليه ( كالزوجة ) ; لأنه من تمام الكفاية .

                                                                          ( ومن ترك ما وجب عليه ) من نفقة قريب أو عتيق ( مدة لم يلزمه ) شيء ( لما مضى ) ; لأنها مواساة ( أطلقه الأكثر ) وجزم به في الفصول ( وذكر بعضهم ) منهم الموفق والشارح ( إلا بفرض حاكم ) لتأكده بفرضه ( وزاد غيره ) أي غير ذلك البعض وهو صاحب المحرر ( أو إذنه ) أي الحاكم في النفقة لمن وجبت له النفقة ( في استدانة ) قال في المحرر : وأما نفقة أقاربه فلا يلزمه لما مضى ، وإن فرضت إلا أن يستدين عليه بإذن الحاكم ( ولو غاب زوج فاستدانت ) زوجة ( لها ولأولادها الصغار ) ونحوهم ( رجعت ) نصا ولعله لتبعية نفقة أولادها لنفقتها ( ولو امتنع منها ) أي النفقة ( زوج أو قريب ) فأنفق عليهما غيره ( رجع عليه منفق ) على زوجة أو قريب ( بنية رجوع ) ; لأن الامتناع قد يكون لضعف من وجبت له . وقوة من وجبت عليه . فلو لم يملك المنفق الرجوع لضاع الضعيف ( وعلى من تلزمه نفقة صغير ) ذكرا أو أنثى من أب أو وارث غيره عند عدمه ( نفقة ظئره ) أي مرضعته ( حولين ) كاملين لقوله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } الآية وقوله : { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } ولأن الطفل إنما يتغذى بما يتولد في المرضعة من اللبن ، وذلك إنما يحصل بالغذاء فوجبت النفقة للمرضعة ; لأنها في الحقيقة له ، ولا تجب بعد الحولين لانقضاء مدة الحاجة إلى الرضاع ( ولا يفطم قبلهما ) أي الحولين للآية ; لأنها خبر أريد به الأمر ( إلا برضا أبويه أو ) برضا ( سيده إن كان رقيقا ) فيجوز ( ما لم يتضرر ) بفطامه قبل الحولين ، فلا يجوز ولو رضيا .

                                                                          وفي الرعاية هنا يحرم رضاعه بعدهما ولو رضيا ، وظاهر عيون المسائل إباحته مطلقا ( ولأبيه منع أمه من خدمته ) ; لأنه يفوت حق الاستمتاع بها في بعض الأحيان . و ( لا ) يمنعها من إرضاعه ولو أنها في حباله للآية فترضعه هي والخادم تقوم بخدمته عندها فلم يفتها رضاعه ولا حضانته ( وهي ) أي الأم ( أحق ) برضاع ولدها ( بأجرة مثلها حتى مع ) مرضعة ( متبرعة أو ) مع [ ص: 243 ] ( زوج ثان ويرضى ) لعموم قوله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن } وقوله : { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } وهو عام في جميع الأحوال ، ولأن أمه أشفق ، ولبنها أمرأ عليه ، فإن طلبت الأم أكثر من أجرة مثلها ووجد الأب من يرضعه بأجرة مثله أو متبرعة فلأب أخذه منها لقوله تعالى : { وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى } وإن لم يجد مرضعة إلا بما طلبته الأم ، فالأم أحق لما سبق .

                                                                          وإن منع الأم زوجها غير أبي الطفل من رضاعه سقط حقها لتعذر وصولها إليه ( ويلزم حرة ) إرضاع ولدها ( مع خوف تلفه ) بأن لم يقبل ثدي غيرها ونحوه حفظا له عن الهلاك كما لو لم يوجد غيرها ، ولها أجرة مثلها ، فإن لم يخف تلفه لم تجبر دنية كانت أو شريفة في حباله أو مطلقة لقوله تعالى : { وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى } .

                                                                          ( و ) يلزم ( أم ولد ) إرضاع ولدها ( مطلقا ) أي خيف على الولد أم لا من سيدها أو غيره ( مجانا ) أي بلا أجرة ; لأن نفعها لسيدها ( ومتى عتقت ) أم الولد ( فك ) حرة ( بائن ) لا تجبر على إرضاعه . فإن فعلت فلها أجرة مثلها : وإن باعها أو وهبها أو زوجها سقطت حضانتها على ظاهر ما ذكره ابن عقيل في فنونه . وعلى هذا يسقط حقها من الرضاع .

                                                                          قاله ابن رجب ( ولزوج ثان ) أي غير أب الرضيع ( منعها من إرضاع ولدها من ) الزوج ( الأول ) أو من شبهة أو زنا ; لأنه يفوت حقه من الاستمتاع بها في بعض الأحيان ( إلا لضرورته ) أي الولد بأن لا يوجد من يرضعه غيرها أو لا يقبل ثدي غيرها ( أو شرطها ) بأن شرطت في العقد أن لا يمنعها رضاع ولدها فلها شرطها كما تقدم ومن أرضعت ولدها وهي في حبال أبيه فاحتاجت لزيادة نفقة لزمه ; لأن عليه كفايتها .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية