الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب المرتدين

( قال ) رضي الله عنه وإذا ارتد المسلم عرض عليه الإسلام ، فإن أسلم ، وإلا قتل مكانه إلا أن يطلب أن يؤجل فإذا طلب ذلك أجل ثلاثة أيام ، والأصل في وجوب قتل المرتدين قوله تعالى { أو يسلمون } قيل : الآية في المرتدين ، وقال صلى الله عليه وسلم : { من بدل دينه فاقتلوه } ، وقتل المرتد على ردته مروي عن علي وابن مسعود ومعاذ ، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا لأن المرتد بمنزلة مشركي العرب أو أغلظ منهم جناية ، فإنهم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والقرآن نزل بلغتهم ، ولم يراعوا حق ذلك حين أشركوا ، وهذا المرتد كان من أهل دين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد عرف محاسن شريعته ثم لم يراع ذلك حين ارتد فكما لا يقبل من مشركي العرب إلا السيف أو الإسلام فكذلك من المرتدين إلا أنه إذا طلب التأجيل أجل ثلاثة أيام ; لأن الظاهر أنه دخل عليه شبهة ارتد لأجلها فعلينا إزالة تلك الشبهة ، أو هو يحتاج إلى [ ص: 99 ] التفكر ليتبين له الحق فلا يكون ذلك إلا بمهلة ، فإن استمهل كان على الإمام أن يمهله ، ومدة النظر مقدرة بثلاثة أيام في الشرع كما في الخيار فلهذا يمهله ثلاثة أيام لا يزيده على ذلك ، وإن لم يطلب التأجيل يقتل من ساعته في ظاهر الرواية .

وفي النوادر عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى أنه يستحب للإمام أن يؤجله ثلاثة أيام طلب ذلك أو لم يطلب ، وقال الشافعي رحمه الله تعالى يجب على الإمام أن يؤجله ثلاثة أيام ، ولا يحل له أن يقتله قبل ذلك لما روي أن رجلا قدم على عمر رضي الله عنه فقال له : هل من مغربة خبر . ؟ فقال : نعم ، رجل كفر بعد إيمانه فقال : ماذا صنعتم به . ؟ قال : قدمناه فضربنا عنقه ، فقال : هلا طينتم عليه الباب ثلاثة أيام ، ورميتم إليه كل يوم برغيف فلعله أن يتوب ويراجع الحق ثم رفع يديه ، وقال اللهم إني لم أشهد ، ولم أرض إذ بلغني ، وقد روي هذا الحديث بطريق آخر أن عمر رضي الله عنه قال لو وليت منه مثل الذي وليتم لاستتبته ثلاثة أيام ، فإن تاب وإلا قتلته ، فهذا دليل أنه يستحب الإمهال ، وتأويل اللفظ الأول أنه لعله كان طلب التأجيل إذا كان في ذلك الوقت فقد كان فيهم من هو حديث عهد بالإسلام ، فربما يظهر له شبهة ويتوب إذا رفعت شبهته ، فلهذا كره ترك الإمهال والاستتابة ، فأما في زماننا فقد استقر حكم الدين ، وتبين الحق فالإشراك بعد ذلك قد يكون تعنتا ، وقد يكون لشبهة دخلت عليه ، وعلامة ذلك طلب التأجيل ، وإذا لم يطلب ذلك فالظاهر أنه متعنت في ذلك فلا بأس بقتله إلا أنه يستحب أن يستتاب ; لأنه بمنزلة كافر قد بلغته الدعوة ، وتجديد الدعوة في حق مثله مستحب ، وليس بواجب فهذا كذلك ، فإن استتيب فتاب خلي سبيله ، ولكن توبته أن يأتي بكلمة الشهادة ، ويتبرأ عن الأديان كلها سوى الإسلام أو يتبرى عما كان انتقل إليه ، فإن تمام الإسلام من اليهودي التبري عن اليهودية ، ومن النصراني التبري عن النصرانية ، ومن المرتد التبري عن كل ملة سوى الإسلام ; لأنه ليس للمرتد ملة منفعة ، وإن تبرأ عما انتقل إليه فقد حصل ما هو المقصود .

التالي السابق


الخدمات العلمية