الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4424 ) مسألة قال : ( وما لا ينتفع به إلا بالإتلاف ، مثل الذهب والورق والمأكول والمشروب ، فوقفه غير جائز ) وجملته أن ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه ، كالدنانير والدراهم ، والمطعوم والمشروب ، والشمع ، وأشباهه ، لا يصح وقفه ، في قول عامة الفقهاء وأهل العلم ، إلا شيئا يحكى عن مالك ، والأوزاعي ، في وقف الطعام ، أنه يجوز . ولم يحكه أصحاب مالك

                                                                                                                                            وليس بصحيح ; لأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة ، وما لا ينتفع به إلا بالإتلاف لا يصح فيه ذلك . وقيل في الدراهم والدنانير : يصح وقفها ، على قول من أجاز إجارتهما . ولا يصح ; لأن تلك المنفعة ليست المقصود الذي خلقت له الأثمان ، ولهذا لا تضمن في الغصب ، فلم يجز الوقف له ، كوقف الشجر على نشر الثياب والغنم على دوس الطين ، والشمع ليتجمل به .

                                                                                                                                            ( 4425 ) فصل : والمراد بالذهب والفضة هاهنا الدراهم والدنانير ، وما ليس بحلي ; لأن ذلك هو الذي يتلف بالانتفاع به

                                                                                                                                            أما الحلي ، فيصح وقفه للبس والعارية ; لما روى نافع ، قال : ابتاعت حفصة حليا بعشرين ألفا ، فحبسته على نساء آل الخطاب ، فكانت لا تخرج زكاته . رواه الخلال بإسناده .

                                                                                                                                            ولأنه عين [ ص: 374 ] يمكن الانتفاع بها ، مع بقائها دائما ، فصح وقفها ، كالعقار ، ولأنه يصح تحبيس أصلها وتسبيل الثمرة ، فصح وقفها ، كالعقار

                                                                                                                                            وبهذا قال الشافعي . وقد روي عن أحمد ، أنه لا يصح وقفها . وأنكر الحديث عن حفصة في وقفه . وذكره ابن أبي موسى ، إلا أن القاضي تأوله على أنه لا يصح الحديث فيه . ووجه هذه الرواية أن التحلي ليس هو المقصود الأصلي من الأثمان ، فلم يصح وقفها عليه ، كما لو وقف الدنانير والدراهم . والأول هو المذهب ; لما ذكرناه والتحلي من المقاصد المهمة ، والعادة جارية به ، وقد اعتبره الشرع في إسقاط الزكاة عن متخذه ، وجوز إجارته لذلك

                                                                                                                                            ويفارق الدراهم والدنانير ، فإن العادة لم تجر بالتحلي به ، ولا اعتبره الشرع في إسقاط زكاته ، ولا ضمان منفعته في الغصب ، بخلاف مسألتنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية