الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى .

يجوز أن تكون عطفا على جملة ألا تزر وازرة وزر أخرى فهي من تمام تفسير ما في صحف موسى وإبراهيم فيكون تغيير الأسلوب إذ جيء في هذه الآية بحرف أن المشددة لاقتضاء المقام أن يقع الإخبار عن سعي الإنسان بأنه [ ص: 139 ] يعلن به يوم القيامة وذلك من توابع أن ليس له إلا ما سعى ، فلما كان لفظ سعيه صالحا للوقوع اسما لحرف أن زال مقتضى اجتلاب ضمير الشأن فزال مقتضى أن المخففة . وقد يكون مضمون هذه الجملة في شريعة إبراهيم ما حكاه الله عنه من قوله ولا تخزني يوم يبعثون .

ويجوز أن لا يكون في قوله مضمون قوله وأن سعيه مشمولا لما في صحف موسى وإبراهيم فعطفه على ما الموصولة من قوله بما في صحف موسى وإبراهيم ، عطف المفرد على المفرد فيكون معمولا لباء الجر في قوله في صحف موسى إلخ ، والتقدير : لم ينبأ بأن سعي الإنسان سوف يرى ، أي : لا بد أن يرى ، أي : يجازى عليه ، أي : لم ينبأ بهذه الحقيقة الدينية وعليه فلا نتطلب ثبوت مضمون هذه الجملة في شريعة إبراهيم عليه السلام .

و سوف حرف استقبال والأكثر أن يراد به المستقبل البعيد .

ومعنى يرى : يشاهد عند الحساب كما في قوله تعالى ووجدوا ما عملوا حاضرا ، فيجوز أن تجسم الأعمال فتصير مشاهدة ، وأمور الآخرة مخالفة لمعتاد أمور الدنيا . ويجوز أن تجعل علامات على الأعمال يعلن بها عنها كما في قوله تعالى نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم . وما في الحديث " ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة فيقال : هذه غدرة فلان فيقدر مضاف تقديره : وأن عنوان سعيه سوف يرى .

ويجوز أن يكون ذلك بإشهار العمل والسعي كما في قوله تعالى أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة الآية ، وكما قال النبيء - صلى الله عليه وسلم - من سمع بأخيه فيما يكره سمع الله به سامع خلقه يوم القيامة ، فتكون الرؤية مستعارة للعلم لقصد تحقق العلم وإشهاره .

وحكمة ذلك تشريف المحسنين بحسن السمعة وانكسار المسيئين بسوء الأحدوثة .

وقوله ثم يجزاه الجزاء الأوفى وهو المقصود من الجملة .

[ ص: 140 ] و " ثم " للتراخي الرتبي ؛ لأن حصول الجزاء أهم من إظهاره أو إظهار المجزي عنه .

وضمير النصب في قوله " يجزاه " عائد إلى السعي ، أي : يجزى عليه ، أو يجزى به ، فحذف حرف الجر ونصب على نزع الخافض فقد كثر أن يقال : جزاه عمله ، وأصله : جزاه على عمله أو جزاه بعمله .

والأوفى : اسم تفضيل من الوفاء وهو التمام والكمال ، والتفضيل مستعمل هنا في القوة ، وليس المراد تفضيله على غيره . والمعنى : أن الجزاء على الفعل من حسن أو سيئ موافق للمجزي عليه ، قال تعالى فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وقال وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص وقال ووجد الله عنده فوفاه حسابه وقال فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا .

وانتصب الجزاء الأوفى على المفعول المطلق المبين للنوع .

وقد حكى الله عن إبراهيم ولا تخزني يوم يبعثون .

التالي السابق


الخدمات العلمية