الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1734 - مالك أنه بلغه أن عيسى ابن مريم كان يقول : يا بني إسرائيل عليكم بالماء القراح ، والبقل البري ، وخبز الشعير ، وإياكم وخبز [ ص: 321 ] البر فإنكم لن تقوموا بشكره .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        39800 - قال أبو عمر : الماء القراح هو الصافي الذي لا يشوبه شيء ، لم يمزج بعسل ولا زيت ، ولا تمر ، ولا غير ذلك مما تصنع منه الأشربة .

                                                                                                                        39801 - قال أبو عمر : ما جاء في الآثار في أن قول العبد على طعامه : " الحمد لله " ، شكر تلك النعمة يعارض خبر عيسى هذا .

                                                                                                                        39802 - وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر ، أنه قال : " أفضل الشكر الحمد لله " .

                                                                                                                        39803 - وكان عيسى عليه السلام أشد الأنبياء زهدا في الدنيا وإن كانوا كلهم زهادا فيها ، وما بعث نبي قط إلا بالزهد في الدنيا والنهي عن الرغبة فيها .

                                                                                                                        39804 - حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال : حدثني أبي قال : حدثني عبد الله بن يونس قال : حدثني بقي بن مخلد قال : حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثني شريك ، عن عاصم و [ الأعمش ] ، عن أبي صالح رفعه إلى النبي عليه السلام قال لأصحابه : " اتخذوا المساجد مساكن واتخذوا [ ص: 322 ] البيوت منازل ، وانجوا من الدنيا بسلام ، وكلوا من بقل البرية " .

                                                                                                                        39805 - وزاد الأعمش فيه : واشربوا من الماء القراح " .

                                                                                                                        39806 - قال : وحدثني جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير قال : كان عيسى ( عليه السلام ) : لا يرفع غداء لعشاء ، ولا عشاء لغداء ، وكان يقول : إن مع كل يوم رزقه ، وكان يلبس الشعر ويأكل الشجر ، وينام حيث أمسى .

                                                                                                                        39807 - وروينا أن عيسى ( عليه السلام ) قال له الحواريون : يا عيسى ابن مريم ، ما تأكل ؟ قال : " خبز الشعير " قالوا : وما تلبس ؟ قال : " الصوف " . قالوا : وما تفترش ؟ قال : " الأرض " . قالوا : كل هذا شديد ؟ قال : " لن تنالوا ملكوت السماوات والأرض حتى تصيبوا هذا على لذة " أو قال : على شهوة .

                                                                                                                        39808 - وروى أبو معاوية ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الصفة ، فقال : " كيف أصبحتم ؟ " قالوا : بخير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنتم اليوم خير أم إذا غدا على أحدكم بجفنة وريح عليه بأخرى وستر أحدكم بيته كما تستر الكعبة " ؟ .

                                                                                                                        39809 - قالوا : يا رسول الله ، نصيب ذلك ونحن على ديننا ؟ قال : " نعم " . قالوا : فنحن يومئذ خير نتصدق ونعتق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل أنتم اليوم [ ص: 323 ] خير ، إنكم إذا أصبتم ذلك ، تحاسدتم ، وتباغضتم ، وتقاطعتم "
                                                                                                                        .

                                                                                                                        39810 - قال أبو عمر : من الدليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصد أصحابه ويردعهم على خواطر حب الدنيا ، وما يعرض في القلوب من تمنيها ، ويزهدهم فيها ، ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ، أن سألته ابنته فاطمة - رضي الله عنها - خادما يخدمها مما أفاء الله عليه تصونها عن الطحين ومؤنة البيت ، فقال لها : " ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك ؟ تسبحين الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ، وتحمدينه ثلاثا وثلاثين ، وتهللينه أربعا وثلاثين " .

                                                                                                                        39811 - ومثل ذلك حديث عقبة بن عامر قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة ، فقال : " أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلىبطحان أو العقيق ، فيأتي منه بناقتين [ كوماوين ] في غير إثم ولا قطيعة رحم ؟ " . فقلنا : يا رسول الله ، كلنا نحب ذلك فقال : "أفلا أدلكم على ما هو خير من ذلك ، يغدو أحدكم إلى المسجد ، فيتعلم آية من كتاب الله ، خير له من ناقة ، وآيتين خير له من ناقتين ، [ ص: 324 ] وثلاث خير له من ثلاث ، وأربع خير له من أربع ، ومن أعدادهن من الإبل " .

                                                                                                                        39812 - وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " والله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكنى أخاف عليكم ما يفتح الله لكم من زهرة الدنيا ، فتتنافسون فيها ، كما تنافس من قبلكم ، فتهلككم كما أهلكتهم " .

                                                                                                                        39813 - والآثار في هذا المعنى كثيرة عنه صلى الله عليه وسلم جدا ، ومن فهم ووفق ، فالقليل يكفيه .




                                                                                                                        الخدمات العلمية