الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى .

والمؤتفكة صفة لموصوف محذوف يدل عليه اشتقاق الوصف كما سيأتي ، والتقدير : القرى المؤتفكة ، وهي قرىقوم لوط الأربع وهي سدوم وعمورة وآدمة وصبوييم . ووصفت في سورة براءة بالمؤتفكات ؛ لأن وصف جمع المؤنث يجوز أن يجمع وأن يكون بصيغة المفرد المؤنث . وقد صار هذا الوصف غالبا عليها بالغلبة .

وذكرت القرى باعتبار ما فيها من السكان تفننا ومراعاة للفواصل .

ويجوز أن تكون المؤتفكة هنا وصفا للأمة ، أي : لأمة لوط ليكون نظيرا لذكر عاد وثمود وقوم نوح كما في قوله تعالى وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة في سورة الحاقة . والائتفاك : الانقلاب ، يقال : أفكها فأتفكت . والمعنى : التي خسف بها فجعل عاليها سافلها ، وقد تقدم ذكرها في سورة براءة .

وانتصب المؤتفكة مفعول أهوى ، أي : أسقط ، أي : جعلها هاوية .

والإهواء : الإسقاط ، يقال : أهواه فهوى ، ومعنى ذلك : أنه رفعها في الجو [ ص: 155 ] ثم سقطت أو أسقطها في باطن الأرض وذلك من أثر زلازل وانفجارات أرضية بركانية .

ولكون المؤتفكة علما انتفى أن يكون بين المؤتفكة و أهوى تكرير . وتقديم المفعول للاهتمام بعبرة انقلابها .

وغشاها : غطاها وأصابها من أعلى .

و ما غشى فاعل " غشاها " ، و ما موصولة ، وجيء بصلتها من مادة وصيغة الفعل الذي أسند إليها ، وذلك لا يفيد خبرا جديدا زائدا على مفاد الفعل .

والمقصود منه التهويل كأن المتكلم أراد أن يبين بالموصول والصلة وصف فاعل الفعل فلم يجد لبيانه أكثر من إعادة الفعل إذ لا يستطاع وصفه . والذي غشاها هو مطر من الحجارة المحماة ، وهي حجارة بركانية قذفت من فوهات كالآبار كانت في بلادهم ولم تكن ملتهبة من قبل ، قال تعالى ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء وقال وأمطرنا عليها حجارة من سجيل . وفاضت عليها مياه غمرت بلادهم فأصبحت بحرا ميتا .

وأفاد العطف بفاء التعقيب في قوله فغشاها أن ذلك كان بعقب إهوائها .

التالي السابق


الخدمات العلمية