الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                              قوله تعالى: إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم (35) فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم (36) فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب

                                                                                                                                                                                              [قال البخاري ] : وقال ابن عباس : نذرت لك ما في بطني محررا [ ص: 205 ] : للمسجد يخدمها .

                                                                                                                                                                                              هذا من رواية عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . وقاله - أيضا -: مجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، والربيع بن أنس وغيرهم . وقال قتادة والربيع وغيرهما: كانوا يحررون الذكور من أولادهم للكنيسة يخدمها، فكانت تظن أن ما في بطنها ذكرا، فلما وضعت أنثى اعتذرت من ذلك إلى الله، وقالت: وليس الذكر كالأنثى لأن الأنثى لا تقوى على ما يقوى عليه الذكر من الخدمة، ولا تستطيع أن تلازم المسجد في حيضها، فقال الله عز وجل: فتقبلها ربها بقبول حسن - يعني: أن الله قبل نذرها، وإن كان أنثى، فإنه أعلم بما وضعت، وهذا كان في دين بني إسرائيل . وقد ذكر طائفة من المفسرين: أن هذا كان شرعا لهم، وأن شرعنا غير موافق له .

                                                                                                                                                                                              وخالفهم آخرون

                                                                                                                                                                                              : قال القاضي أبو يعلى في "كتاب أحكام القرآن ": هذا النذر صحيح في شريعتنا، فإنه إذا نذر الإنسان أن ينشئ ولده الصغير على عبادة الله وطاعته وأن يعلمه القرآن والفقه وعلوم الدين صح النذر .

                                                                                                                                                                                              وهذا الذي قاله حق، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من نذر أن يطيع الله فليطعه " . فلو نذر أحد أن يخدم مسجدا لله عز وجل لزمه الوفاء بذلك مع القدرة، [ ص: 206 ] وأما إن نذر أن يجعل ولده لله ملازما لمسجد يخدمه ويتعبد فيه، فلا يبعد أن يلزمه الوفاء بذلك، فإنه نذر طاعة فيلزمه أن يجرد ولده لما نذره له، ويجب على الولد طاعة أبيه إذا أمره بطاعة الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                              وقد نص الإمام أحمد على أن الكافرين إذا جعلا ولدهما الصغير مسلما صار مسلما بذلك .

                                                                                                                                                                                              ولو وقف عبده على خدمة الكعبة صح - نص عليه أحمد - أيضا .

                                                                                                                                                                                              ونص في عبد موقوف على خدمة الكعبة أنه إذا أبى أن يخدم بيع واشتري بثمنه عبد يخدم مكانه .

                                                                                                                                                                                              وروى سعيد بن سالم القداح، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه، أن معاوية أخدم الكعبة عبيدا بعث بهم إليها، ثم اتبعت ذلك الولاة بعده . خرجه الأزرقي .

                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية