الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الحياء

                                                                                                          2009 حدثنا أبو كريب حدثنا عبدة بن سليمان وعبد الرحيم ومحمد بن بشر عن محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار قال أبو عيسى وفي الباب عن ابن عمر وأبي بكرة وأبي أمامة وعمران بن حصين هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في الحياء ) هو بالمد وهو في اللغة تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ، وقد يطلق على مجرد ترك الشيء بسبب ، والترك إنما هو من لوازمه ، وفي الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا عبدة بن سليمان ) الكلابي أبو محمد الكوفي ، ويقال اسمه : عبد الرحمن ، ثبت ثقة من صغار الثامنة ( وعبد الرحيم ) الظاهر أنه عبد الرحيم بن سليمان الكناني أو الطائي أبو علي الأشل المروزي نزيل الكوفة ، ثقة له تصانيف من صغار الثامنة ( ومحمد بن بشر ) بكسر الموحدة ، قال الحافظ في تهذيب التهذيب محمد بن بشر بن الفرافصة بن المختار الحافظ العبدي أبو عبد الله الكوفي روى عن محمد بن عمرو بن علقمة وغيره وعنه أبو كريب وغيره انتهى ، وقال في التقريب : ثقة حافظ من التاسعة ( عن محمد بن عمرو ) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني ، صدوق له أوهام من السادسة .

                                                                                                          قوله : ( الحياء من الإيمان ) أي بعضه أو من شعبه ( والإيمان ) أي أهله قال الطيبي : جعل أهل الإيمان عين الإيمان دلالة على أنهم تمحضوا منه وتمكنوا من بعض شعبه الذي هو أعلى الفرع منه كما جعل الإيمان مقرا ومبوأ لأهله في قوله تعالى والذين تبوءوا الدار والإيمان لتمكنهم من الإيمان واستقامتهم عليه ( والبذاء ) بفتح الباء خلاف الحياء والناشئ منه الفحش في القول ، والسوء في الخلق ( من الجفاء ) وهو خلاف البر الصادر منه الوفاء ( والجفاء ) أي أهله التاركون [ ص: 126 ] للوفاء ، الثابتون على غلاظة الطبع وقساوة القلب ( في النار ) إما مدة أو أبدا لأنه في مقابل الإيمان الكامل ، أو مطلقه فصاحبه من أهل الكفران أو الكفر .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن ابن عمر وأبي بكرة وأبي أمامة وعمران بن حصين ) ، أما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان وله أحاديث أخرى في هذا الباب ، وأما حديث أبي بكرة فأخرجه البخاري في الأدب وابن ماجه والحاكم والبيهقي ، وأما حديث أبي أمامة فأخرجه أحمد والحاكم والطبراني ، وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه الشيخان عنه مرفوعا بلفظ : الحياء لا يأتي إلا بخير وفي رواية : الحياء خير كله .

                                                                                                          تنبيه : قال النووي في شرح مسلم : حديث كون الحياء كله خيرا ولا يأتي إلا بخير ، يشكل على بعض الناس من حيث إن صاحب الحياء قد يستحيي أن يواجه بالحق من يجله ويعظمه ، فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، وقد يحمله الحياء على الإخلال ببعض الحقوق وغير ذلك مما هو معروف في العادة والجواب ما أجاب به عنه جماعة من الأئمة منهم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح : إن هذا المانع الذي ذكرناه ليس بحياء حقيقة بل هو عجز وخور ، وإنما تسميته حياء من إطلاق بعض أهل العرف ، أطلقوه مجازا لمشابهته الحياء الحقيقي : وإنما حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق ونحو هذا ، ويدل عليه ما روينا في رسالة الإمام أبي القاسم القشيري عن السيد الجليل أبي القاسم الجنيد رحمه الله قال : الحياء رؤية الآلاء أي النعم ورؤية التقصير ، فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء .

                                                                                                          وقال القاضي عياض وغيره : إنما جعل الحياء من الإيمان لأنه قد يكون تخلقا واكتسابا كسائر أعمال البر ، وقد يكون غريزة ولكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم ، فهو من الإيمان لهذا ، ولكونه باعثا على أفعال البر ومانعا من المعاصي انتهى ، وقال الطيبي : ويمكن أن يحمل التعريف على العهد ويكون إشارة إلى ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم : الاستحياء من الله أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى الحديث ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح ، وابن حبان في صحيحه ، والحاكم والبيهقي كذا في الترغيب والمرقاة .




                                                                                                          الخدمات العلمية