الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ باب دخول مكة ]

مسألة : ( يستحب أن يدخل مكة من أعلاها ) .

هذا على ظاهر قول أصحابنا مستحب لكل من أراد الدخول إلى مكة سواء أتاها من ناحية التنعيم ، أو من غيرها .

وجملة ذلك : أنه يستحب دخول مكة من أعلاها والخروج من أسفلها ؛ [ ص: 409 ] وذلك لما روى ابن عمر قال : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل من الثنية العليا التي بالبطحاء ، ويخرج من الثنية السفلى ) رواه الجماعة إلا الترمذي ، وفي رواية للبخاري : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة من كداء من الثنية العليا التي عند البطحاء ، وخرج من الثنية السفلى ) .

وهذا أشار إلى تكرار دخوله من ذلك الموضع .

وعن عائشة : ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاء مكة - دخل من أعلاها وخرج من أسفلها ) ، وفي لفظ : ( دخل عام الفتح من كداء التي بأعلى مكة ) . متفق عليه .

[ ص: 410 ] ولأبي داود : ( دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عام الفتح من كداء من أعلى مكة ، ودخل في العمرة من كدى ) .

وفي رواية للبخاري : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عام الفتح من كداء ، وخرج من كدى من أعلى مكة ) . وكذلك روى البخاري ، عن عروة بن الزبير قال : ( وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ - يعني يوم الفتح - خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء ، ودخل النبي - صلى الله عليه وسلم - من كدى ) .

ويشبه أن يكون ذلك - والله أعلم - لأن الثنية العليا التي تشرف على الأبطح والمقابر إذا دخل منها الإنسان : فإنه يأتي من وجه البلد والكعبة ويستقبلها استقبالا من غير انحراف ، بخلاف الذي يدخل من الناحية السفلى ، فانه يدخل من دبر البلد والكعبة ، وإنما يخرج من الثنية السفلى ؛ لأنه يستدبر الكعبة والبلد فاستحب أن يكون ما يليه منها مؤخرها ؛ لئلا يستدبر وجهها ، وليكون قد دخل من طريق ، وخرج من أخرى كالذاهب إلى العيد .

[ ص: 411 ] وفي خروجه - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح من دبرها ، مع أنه كان يريد حنينا والطائف : دليل على أن الإنسان يتعمد ذلك وإن لم يكن وجه قصده .

التالي السابق


الخدمات العلمية