الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الخامس ) من مسالك العلة ( إثباتها بالشبه ) بفتح المعجمة والباء الموحدة . يقال : هذا شبه هذا وشبيهه ، كما يقال : مثله ومثيله . وهو بهذا المعنى يطلق على كل قياس ; لأن الفرع لا بد أن يشبه الأصل ، لكن غلب إطلاقه على هذا النوع الخامس من مسالك العلة ( وهو ) أي قياس الشبه في الاصطلاح ( تردد فرع بين أصلين شبهه ) أي الفرع ( بأحدهما ) أي بأحد الأصلين ( في الأوصاف ) المعتبرة في الشرع ( أكثر ) من الآخر . فإلحاق الفرع بأحد الأصلين الذي شبهه به أكثر : هو قياس الشبه . ولا يكونان أصلين لهذا الفرع ، حتى يكون فيه مناط كل منهما .

مثال ذلك : العبد فإنه متردد بين الحر والبهيمة ، وتظهر فائدة ذلك في التمليك له . فمن قال : يملك بالتمليك ، قال : هو إنسان يثاب ويعاقب ، وينكح ويطلق ، ويكلف بأنواع من العبادات ، ويفهم ويعقل ، وهو ذو نفس ناطقة ، فأشبه الحر . ومن قال : لا يملك ، قال : هو حيوان يجوز بيعه ورهنه وهبته وإجارته وإرثه ونحوها ، أشبه الدابة . وكذا المذي ، فإنه متردد بين البول والمني ، فمن قال بنجاسته قال : هو خارج من الفرج لا يخلق منه الولد ، ولا يجب به الغسل ، أشبه البول . ومن قال بطهارته قال : هو خارج تحلله الشهوة ويخرج أمامها ، أشبه المني .

( ويعتبر الشبه حكما لا حقيقة ) أي في الحكم لا في الحقيقة عند الأكثر من أصحابنا والشافعية ، ولهذا ألحقوا العبد المقتول بسائر الأموال المملوكة في لزوم قيمته على القاتل ، بجامع أن كل واحد منها يباع ويشترى . ومن أمثلته عند الشافعية أن يقال في الترتيب في الوضوء : عبادة يبطلها الحدث . فكان الترتيب فيها مستحبا ، أصله الصلاة . فالمشابهة في الحكم الذي هو البطلان بالحدث ، ولا تعلق له بالترتيب ، وإنما هو مجرد [ ص: 529 ] شبه .

واعتبر أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم ابن علية المشابهة في الصورة دون الحكم ، كقياس الخيل على البغال والحمير في سقوط الزكاة وقياس الحنفية في حرمة اللحم - أي لحم الخيل - على لحم الحمير ، وكرد وطء الشبهة إلى النكاح في سقوط الحد ، ووجوب المهر لشبهه في الوطء بالنكاح في الأحكام ، ومقتضى ذلك : قتل الحر بالعبد ، كما يقوله أبو حنيفة . ولهذا نقل عنه أبو المعالي في البرهان ، كابن علية وقال : إنه ألحق التشهد الثاني بالأول في عدم الوجوب . فقال : تشهد فلا يجب ، كالتشهد الأول ، ونحو ذلك عن أحمد ، إذ قال بوجوب الجلوس في التشهد الأول ; لأنه أحد الجلوسين في تشهد الصلاة ، فوجب كالتشهد الأخير .

( ولا يصار إليه ) أي إلى قياس الشبه ( مع ) إمكان ( قياس العلة ) حكاه القاضي أبو بكر الباقلاني في التقريب إجماعا ( فإن عدم ) إمكان قياس العلة ( فحجة ) أي فقياس الشبه حجة عندنا وعند الشافعية ، حتى قال ابن عقيل : لا عبرة بالمخالف لما سبق في السبر ، وهو المنقول عن الإمام الشافعي . وقيل : ليس بحجة ، والتعليل به فاسد . اختاره القاضي من أصحابنا ، وهو قول الحنفية والصيرفي والباقلاني وأبي إسحاق المروزي ، وأبي إسحاق الشيرازي لكنه عند الباقلاني صالح ; لأن يرجح به . وقيل : إنما يحتج به في التعليل إذا كان في قياس فرع قد اجتذبه أصلان ، فيلحق بأحدهما بغلبة الاشتباه ، ويسمونه قياس غلبة الاشتباه .

التالي السابق


الخدمات العلمية