الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2208 [ ص: 264 ] 13 - باب: إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم وكان في ذلك صلاح لهم

                                                                                                                                                                                                                              2333 - حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أبو ضمرة، حدثنا موسى بن عقبة، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " بينما ثلاثة نفر يمشون أخذهم المطر، فأووا إلى غار في جبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله، فادعوا الله بها لعله يفرجها عنكم. قال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم، فإذا رحت عليهم حلبت، فبدأت بوالدي أسقيهما قبل بني، وإني استأخرت ذات يوم فلم آت حتى أمسيت، فوجدتهما ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فقمت عند رءوسهما، أكره أن أوقظهما، وأكره أن أسقي الصبية، والصبية يتضاغون عند قدمي، حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلته ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء. ففرج الله فرأوا السماء. وقال الآخر: اللهم إنها كانت لي بنت عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء، فطلبت منها فأبت حتى أتيتها بمائة دينار، فبغيت حتى جمعتها، فلما وقعت بين رجليها قالت: يا عبد الله، اتق الله، ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، فقمت، فإن كنت تعلم أني فعلته ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة. ففرج. وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجيرا بفرق أرز، فلما قضى عمله قال أعطني حقي. فعرضت عليه، فرغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا وراعيها، فجاءني فقال: اتق الله. فقلت: اذهب إلى ذلك البقر ورعاتها فخذ. فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي. فقلت: إني لا أستهزئ بك فخذ. فأخذه، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج ما بقي، ففرج الله". قال أبو عبد الله: وقال ابن عقبة، عن نافع : "فسعيت". [انظر: 2215 - مسلم: 2743 - فتح: 5 \ 16] [ ص: 265 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 265 ] ذكر فيه حديث ابن عمر في قصة الثلاثة الذين أووا إلى الغار وقد سلف غير مرة، وفي آخره: وقال إسماعيل (خ م س) بن عقبة، عن نافع : "فسعيت".

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وعقبة جده، ووالده إبراهيم وهو (أي: إبراهيم ) أكبر من أخويه: موسى ومحمد ابني عقبة بن أبي عياش .

                                                                                                                                                                                                                              قال الجياني : وقع في نسخة أبي ذر : إسماعيل عن عقبة . وهو وهم. وهذا التعليق أسنده البخاري في الأدب في باب: إجابة دعاء من بر والديه، وقد أخرج ابن حبان هذا الحديث من طريق أبي هريرة أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب : لا تصح هذه الترجمة: إلا بأن يكون الزارع متطوعا إذ لا خسارة على صاحب المال؛ لأنه لو هلك الزرع أو ما ابتاع له بغير إذنه كان الهلاك من الزارع، وإنما يصح هذا على سبيل التفضل بالربح وضمان رأس المال لا على أن من تعدى في مال غيره فاشترى منه بغير إذنه أو زرع به أنه يلزم صاحبه فعله؛ لأن ما في ذمته من الدين لا يتعين إلا بقبض الأجير له وبرضاه بعمله فيه، وقد سلف في الإجارة حكم من تجر في مال غيره بغير إذنه فربح، ومذاهب العلماء فيه.

                                                                                                                                                                                                                              وأجاب ابن المنير بمطابقة الترجمة؛ لأنه قد عين له حقه ومكنه منه [ ص: 266 ] وبرئت ذمته منه، فلما ترك القبض ووضع المستأجر يده ثانيا على الفرق فهو وضع مستأنف على ملك الغير، ثم تصرفه فيه إصلاح لا تضييع فاغتفر ذلك، ولم يعد تعديا، ومع ذلك فلو هلك الفرق لكان الزارع ضامنا له؛ إذ لم يؤذن له في زراعته، فمقصود الترجمة إنما هو خلاص الزارع من المعصية، وإن تعرض للضمان، ويدل على أن فعله كان غير معصية أنه توسل به إلى الله جل وعز بناء على أنه أفضل الأعمال، وأقر على ذلك، ووقعت الإجابة له به، أو يقال: إن توسله إنما كان بوفاء الحق عند حضور المستحق مضاعفا من قبيل حسن القضاء؛ لا بكونه زرع الفرق المستحق، كما أن الذي جلس بين شعب المرأة توسل بما ذكره من القيام عنها خوفا من الله تعالى لا بجلوسه الأول، فإنه معصية اتفاقا.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: " فتعبت حتى جمعتها " وفي نسخة: "فبغيت" وعليها اقتصر ابن التين، وقال: أي: كسبت وطلبت، وقيل: ما تستعمل في الخير، وقد جاء في الحديث في شهر رمضان: "يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر".

                                                                                                                                                                                                                              وقال زيد بن عمرو : البر أبغي لا محالة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن فارس : بغيت الشي أبغيه: إذا طلبته.

                                                                                                                                                                                                                              ووقع هنا: "بفرق من أرز" وسلف: "من ذرة" وراجعه مما سلف.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية