الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وسئل عن رجلين لهما إقطاع في بلد فاختصما في بيع النبات الذي يطلع من عند الله ، فزعم أحدهما : أنه مثل النبات البري لا يجوز بيعه ; لأنه ما هو ملكه . فقال له الآخر : بل يجوز ; لأن السلطان أقطعه لي فهو ملكي ويجوز لي أن أبيع كل ما في حصتي وفي قرعتي . هل [ ص: 218 ] هما مصيبان ؟ أم مخطئان ؟ وما مذاهب الأئمة في ذلك ؟

                التالي السابق


                فأجاب : الحمد لله . أما النبات الذي ينبت بغير فعل الآدمي كالكلأ الذي أنبته الله في ملك الإنسان أو فيما استأجره ونحو ذلك . فهذا لا يجوز بيعه في مذهب أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه وهو قول بعض أصحاب مالك والشافعي ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الناس شركاء في ثلاث : في الماء والكلأ والنار } .

                ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد ما ينبت في الأرض المباحة فقط ; لأن الناس يشتركون في كل ما ينبت في الأرض المباحة من جميع الأنواع : من المعادن الجارية ; كالقير والنفط . والجامدة : كالذهب والفضة والملح وغير ذلك فعلم أنه أراد ما ينبت في أرض الإنسان .

                وأيضا فقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : رجل على فضل ماء يمنعه ابن السبيل فيقول الله له اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمله يداك ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا للدنيا إن أعطاه رضي وإن منعه سخط ورجل حلف على سلعة بعد العصر كاذبا لقد أعطى بها أكثر مما [ ص: 219 ] أعطى } . فهذا توعده الله بالعذاب ; لكونه منع فضل ما لم تعمل يداه والكلأ الذي ينبت بغير فعله لم تعمله يداه .

                والمشهور من مذهب الشافعي جواز بيع ذلك وهو المشهور من مذهب مالك في الأرض التي جرت عادة صاحبها بالانتفاع بها فأما الأرض البور التي لا يحرثها فلأصحابه فيها نزاع جوز ذلك ابن القاسم ومنعه غيره .

                وأما إذا كان صاحبها قصد ترك زرعها لينبت فيها الكلأ فبيع هذا أسهل من بيع غيره ; لأن هذا بمنزلة استنباته .

                وقال في جواب له أيضا وأما قوله : { الناس شركاء في ثلاث : الماء والكلأ والنار } . فهو حديث معروف رواه أهل السنن وقد اتفق المسلمون على أن الكلأ النابت في الأرض المباحة مشترك بين الناس فمن سبق إليه فهو أحق به وأما النابت في الأرض المملوكة فإنه إن كان صاحب الأرض محتاجا إليه فهو أحق به وإن كان مستغنيا عنه ففيه قولان مشهوران لأهل العلم . وأكثرهم يجوزون أخذه بغير عوض ; لهذا الحديث ويجوزون رعيه بغير عوض .

                [ ص: 220 ] وكذلك الماء إن كان نابعا في أرض مباحة فهو مشترك بين الناس وإن كان نابعا في ملك رجل فعليه بذل فضله لمن يحتاج إليه للشرب للآدميين والدواب بلا عوض ; لهذا الحديث ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : { ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل على فضل ماء يمنعه ابن السبيل ، يقول الله له : اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها رضي وإن منعه منها سخط ورجل أقام سلعته بعد العصر فقال : والله الذي لا إله إلا هو لقد أعطيت بها كذا وكذا } الحديث . والله أعلم .




                الخدمات العلمية