الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويحصل الرجوع عن الرهن قبل القبض بتصرف يزيل الملك كهبة مقبوضة ) وبيع وإعتاق وإصداق لزوال الملك ( وبرهن ) أعاد الباء لئلا يتوهم أنه من المزيل ( مقبوض وكتابة ) ولو فاسدة لتعلق حق الغير به ، وكلامه يقتضي أن الهبة والرهن بدون قبض لا يكون رجوعا ، لكن نقل السبكي وغيره عن النص أنه رجوع وهو المعتمد ، وقال الأذرعي : إنه الصواب فكلام المصنف تمثيل ( وكذا تدبير ) [ ص: 257 ] يحصل به الرجوع ( في الأظهر ) إذ مقصوده العتق وهو مناف للرهن والثاني لا ، لأن الرجوع عن التدبير ممكن ( وبإحبالها ) منه أو من أصله كما في فتاوى القاضي لتعلق العتق به . وضابط ذلك أن كل تصرف يمنع ابتداء الرهن فطريانه قبل القبض يبطل الرهن ، وكل تصرف لا يمنع ابتداءه لا يفسخه قبل القبض إلا الرهن والهبة من غير قبض ( لا الوطء ) فقط لأنه استخدام ( و ) لا ( التزويج ) إذ لا تعلق له بمورد الرهن بل رهن المزوج ابتداء جائز ، سواء أكان المزوج عبدا أم أمة ولا الإجارة وإن حل الدين المرهون به قبل انقضائها ، وتقييد الفارقي بما إذا كانت قيمته مؤجرا لا تنقص عن قدر الدين وإلا كان رجوعا كما لو تصرف بما يخرج المرهون عن أن يستوفي منه الدين كان رجوعا ، فكذا إذا كان يمنع من استيفاء بعضه مردود بظاهر إطلاق الأصحاب لأن الرهن قبل القبض ليس بلازم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وبيع ) خرج به العرض عليه فلا يكون رجوعا ، وظاهره أن البيع رجوع وإن كان بشرط الخيار للبائع مع أنه غير مزيل : للملك ما دام الخيار باقيا ، ومقتضى قوله لزوال الملك خلافه ، لكن الأول ظاهر بناء على ما يأتي في الهبة والرهن قبل القبض لأن ترتب الملك على البيع بشرط الخيار أقرب من ترتبه على الهبة قبل القبض لأن البيع بشرط الخيار آيل إلى اللزوم بنفسه ولا كذلك الهبة ، وعليه فقول المصنف بتصرف يزيل الملك معناه يترتب على زوال الملك أو تصرف هو سبب لزوال الملك ، وقول الشارح لزوال الملك : أي لوجود ما يزيل الملك ( قوله وبرهن ) ظاهره لا فرق في ذلك بين كون المرهون عنده الثاني الأول بأن رهنه عنده أولا على دين العوض ثم رهنه عنده ثانيا على دين آخر أو غيره وهو ظاهر ، ويفرق بينه وبين ما لو رهنه عند المرتهن بعد القبض حيث تتوقف صحته على فسخه العقد الأول ثم ينشئ عقدا آخر إن أراده بأنه لزم من جهة الراهن بإقباضه فلم يقدر على إبطاله برهنه ثانيا ، بخلاف ما قبل القبض فإنه متمكن من فسخه متى شاء وكان الرهن السابق فسخا للأول ، لكن هذا قد يشكل بما تقدم من امتناع رهنه ثانيا على دين لآخر وعدم بطلان الرهن الأول ، إلا أن يفرق بأن ما تقدم لم يأت فيه بما يشعر برجوعه من الراهن الأول ، وإنما ضم إليه شيئا آخر وهو رهنه على الدين الثاني ، بخلاف ما هنا فإنه صريح في الرجوع عن الرهن الأول أو يخص ذاك بما بعد القبض وما هنا بما قبله .

                                                                                                                            هذا وقد يشعر تعليل كونه يتعلق حق الغير به بأنه في هذه الصورة لا يكون رجوعا إلا أن يقال : إن اختلاف الدين ينزل منزله المرهون عنده ( قوله : ولو فاسدة ) ولعل الفرق بين هذا وما تقدم فيما لو استناب مكاتبه من اشتراط كونه مكاتبا كتابة صحيحة أن المدار هنا على ما يشعر بالرجوع وثم على الاستقلال وهو لا يستقل إلا إذا كانت الكتابة صحيحة ( قوله : لا يكون ) أي كل منهما ( قوله : وهو المعتمد ) خلافا لحج ( قوله : وكذا تدبير ) ولو علق عتقه بصفة فمقتضى قوله بعد وكل تصرف لا يمنع ابتداءه إلخ أنه إن علقه بصفة لم يعلم الحلول [ ص: 257 ] قبلها كان رجوعا وإن علم فلا ، ثم رأيت في سم على المنهج قوله وتدبير قال السبكي وغيره هنا وتعليق العتق كالتدبير ا هـ .

                                                                                                                            والظاهر أن التعليق لو كان مع حلول الدين أو على صفة تتأخر عن حلوله لم يضر كما لا يمنع صحة الرهن في الابتداء انتهى .

                                                                                                                            أقول : بل قد يقال الأقرب ما قاله السبكي لأن التعليق يشعر بالإعراض عن الرهن وإبطاله بالتعليق مطلقا أولى من إبطاله بالكتابة الفاسدة لأن العتق في الكتابة الفاسدة يتوقف على أداء النجوم ، وقد لا يتيسر له اكتسابه ، بخلاف التعليق بالصفة فإن الغالب أن حصولها لا يتوقف على فعل من المالك ( قوله : ممكن ) أي بالبيع مثلا دون القول فلا يبطل به وكالتدبير التعليق على ما مر ( قوله : وبإحبالها ) أو ولو بإدخال المني ولو في الدبر ، وأطلق الإحبال وأراد به الحبل استعمالا للمصدر في متعلقه ، فشمل ما لو استدخلت منيه المحترم أو علت عليه ، وبه اندفع ما قيل كان اللائق التعبير بالحبل ( قوله : أو من أصله ) أي وخرج بأصله فرعه لأنه لا شبهة له في مال أصله يستحق بها الإعفاف فوطؤه زنا بخلاف عكسه ( قوله وضابط ذلك أن كل تصرف ) ولا يرد عليه تخمر العصير وجناية القن فإن كلا منهما لا يبطل الرهن إذا طرأ قبل القبض كما يأتي مع أنه يمنع ابتداء الرهن لأنه عبر بالتصرف وكل منهما ليس تصرفا ( قوله : إلا الرهن والهبة ) ومثلهما البيع بشرط الخيار لغير المشتري والكتابة الفاسدة والجناية الموجبة للمال على ما يأتي ( قوله لا الوطء ) أي ولو أنزل ( قوله : ولا التزويج ) ومثله بالأولى الإذن فيه ( قوله : بمورد الرهن ) أي وهو الرقبة ( قوله : وتقييد الفارقي ) ينبغي جريان مثله فيما لو زوج المرهون قبل القبض



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : تمثيل ) هو ظاهر في الرهن ، وأما الهبة فإنما قيد فيها بالإقباض ; لأنه مثل بها لما يزيل الملك ، وهو لا يزول فيها إلا بالقبض وإن كان حكم غير المقبوضة هنا كذلك




                                                                                                                            الخدمات العلمية