الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون ( 21 ) وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ( 22 ) ) [ ص: 22 ]

يقول - تعالى ذكره - : ( ثم الله ينشئ النشأة الآخرة ) خلقه من بعد فنائهم ، ف ( يعذب من يشاء ) منهم على ما أسلف من جرمه في أيام حياته ، ( ويرحم من يشاء ) منهم ممن تاب وآمن وعمل صالحا ( وإليه تقلبون ) يقول : وإليه ترجعون وتردون .

وأما قوله : ( وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ) فإن ابن زيد قال في ذلك ما حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ) قال : لا يعجزه أهل الأرضين في الأرضين ، ولا أهل السموات في السموات إن عصوه ، وقرأ ( مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ) .

وقال في ذلك بعض أهل العربية من أهل البصرة : ( وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا ) من ( في السماء ) معجزين قال : وهو من غامض العربية للضمير الذي لم يظهر في الثاني . قال : ومثله قول حسان بن ثابت :


أمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء ؟



أراد : ومن ينصره ويمدحه ، فأضمر " من " . قال : وقد يقع في وهم السامع أن النصر والمدح لمن هذه الظاهرة ، ومثله في الكلام : أكرم من أتاك وأتى أباك ، وأكرم من أتاك ولم يأت زيدا . تريد : ومن لم يأت زيدا ، فيكتفي باختلاف الأفعال من إعادة ( من ) كأنه قال : أمن يهجو ، ومن يمدحه ، ومن ينصره . ومنه قول الله عز وجل : [ ص: 23 ] ( ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ) وهذا القول أصح عندي في المعنى من القول الآخر . ولو قال قائل معناه : ولا أنتم بمعجزين في الأرض ، ولا أنتم لو كنتم في السماء بمعجزين - كان مذهبا .

وقوله : ( وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ) يقول : وما كان لكم - أيها الناس - من دون الله من ولي يلي أموركم ، ولا نصير ينصركم من الله إن أراد بكم سوءا ولا يمنعكم منه إن أحل بكم عقوبته .

التالي السابق


الخدمات العلمية