الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

فلما نقضت الصحيفة وافق موت أبي طالب وموت خديجة ، وبينهما يسير ، فاشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفهاء قومه ، وتجرءوا عليه فكاشفوه بالأذى ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف رجاء أن يؤووه وينصروه على قومه ويمنعوه منهم ، ودعاهم إلى الله عز وجل فلم ير من يؤوي ، ولم ير ناصرا ، وآذوه مع ذلك أشد الأذى ، ونالوا منه ما لم ينله قومه ، وكان معه زيد بن حارثة مولاه ، فأقام بينهم عشرة أيام لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه ، فقالوا : اخرج من بلدنا ، وأغروا به سفهاءهم ، فوقفوا له سماطين ، وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى دميت قدماه وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه ، فانصرف راجعا من الطائف إلى مكة محزونا ، وفي مرجعه ذلك دعا بالدعاء المشهور دعاء الطائف : ( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ، أو إلى عدو ملكته أمري ، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن يحل علي غضبك أو أن ينزل بي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك .

[ ص: 29 ]

فأرسل ربه تبارك وتعالى إليه ملك الجبال يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة ، وهما جبلاها اللذان هي بينهما ، فقال : لا ، بل أستأني بهم لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئا
) .

فلما نزل بنخلة مرجعه ، قام يصلي من الليل ، فصرف إليه نفر من الجن فاستمعوا قراءته ، ولم يشعر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل عليه : ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا ياقومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ياقومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين ) [ الأحقاف : 29 - 32 ] .

[ ص: 30 ] ( وأقام بنخلة أياما ، فقال له زيد بن حارثة : كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك ؟ يعني قريشا ، فقال يا زيد : إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا ، وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه ) .

ثم انتهى إلى مكة فأرسل رجلا من خزاعة إلى مطعم بن عدي : أدخل في جوارك ؟ فقال : نعم ، ودعا بنيه وقومه فقال : البسوا السلاح ، وكونوا عند أركان البيت فإني قد أجرت محمدا ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام ، فقام المطعم بن عدي على راحلته فنادى : يا معشر قريش إني قد أجرت محمدا ، فلا يهجه أحد منكم ، فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن فاستلمه ، وصلى ركعتين ، وانصرف إلى بيته ، والمطعم بن عدي وولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته .

التالي السابق


الخدمات العلمية