الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم استأنف؛ إيذانا بالاستقلال؛ تقريعا آخر لزيادتهم على الكفر التكفير؛ فقال: قل يا أهل الكتاب ؛ أي: المدعين للعلم؛ واتباع الوحي؛ كرر هذا الوصف لأنه - مع أنه أبعد في التقريع - أقرب إلى التلطف في صرفهم عن ضلالهم؛ لم تصدون ؛ أي: بعد كفركم؛ عن سبيل الله ؛ أي: الملك الذي له القهر؛ والعز؛ والعظمة؛ والاختصاص بجميع صفات الكمال؛ وسبيله: دينه الذي جاء به نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ وقدمه اهتماما به؛ ثم ذكر المفعول؛ فقال: من آمن ؛ حال كونكم؛ تبغونها ؛ أي: السبيل؛ عوجا ؛ أي: بليكم ألسنتكم؛ وافترائكم على الله؛ ولم يفعل - سبحانه وتعالى -؛ إذ أعرض عنهم في هذه الآية ما فعل من قبل؛ إذ أقبل عليهم بلذيذ خطابه - تعالى جده؛ وتعاظم مجده - إذ قال: يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم يا أهل الكتاب لم تكفرون ؛ والآية التي بعدها بغير واسطة؛ وقال أبو البقاء - في إعرابه -: "إن "تبغون"؛ يجوز أن يكون مستأنفا؛ وأن يكون حالا من الضمير في "تصدون"؛ أو من السبيل؛ [ ص: 12 ] لأن فيها ضميرين راجعين إليها؛ فلذلك يصح أن يجعل حالا من كل واحد منهما؛ وعوجا حال"؛ انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال صاحب القاموس - في بنات الواو -: "بغا الشيء بغوا": نظر إليه كيف هو؛ وقال - في بنات الياء -: "بغيته أبغيه": طلبته؛ فالظاهر أن جعل عوجا حالا - كما قال أبو البقاء - أصوب من جعله مفعولا - كما قال في الكشاف -؛ ويكون "تبغون"؛ إما يائيا؛ فيكون معناه: "تريدونها معوجة؛ أو ذات عوج"؛ فإن "طلب"؛ بمعنى: أراد; وإما أن يكون واويا بمعنى: "ترونها ذات عوج"؛ أي: "تجعلونها في نظركم"؛ يعني: "تتكلفون وصفها بالعوج؛ مع علمكم باستقامتها"؛ لكن قوله - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح: "ابغني أحجارا أستنفض بهن"؛ يؤيد قول صاحب الكشاف.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر صدهم؛ وإرادتهم العوج الذي لا يرضاه ذو عقل؛ قال موبخا: وأنتم شهداء ؛ أي: باستقامتها بشهادتكم باستقامة دين إبراهيم؛ مع قيام أدلة السمع؛ والعقل؛ أنها دينه؛ وأن النبي والمؤمنين أولى الناس به؛ [ ص: 13 ] لانقيادهم للأدلة؛ ولما كان الشهيد قد يغفل؛ وكانوا يخفون مكرهم في صدهم؛ هددهم بإحاطة علمه؛ فقال: وما الله ؛ أي: الذي تقدم أنه شهيد عليكم؛ وله صفات الكمال كلها؛ بغافل ؛ أي: أصلا؛ عما تعملون ؛

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية