الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4512 ) مسألة قال : ( فإن جاء ربها فوصفها له ، دفعت إليه بلا بينة ) يعني إذا وصفها بصفاتها المذكورة ، دفعها إليه ، سواء غلب على ظنه صدقه أو لم يغلب . وبهذا قال مالك ، وأبو عبيد ، وداود ، وابن المنذر . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا يجبر على ذلك إلا ببينة ، ويجوز له دفعها إليه إذا غلب على ظنه صدقه . قال أصحاب الرأي : إن شاء دفعها إليه وأخذ كفيلا بذلك ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { البينة [ ص: 13 ] على المدعي }

                                                                                                                                            ولأن صفة المدعي لا يستحق بها كالمغصوب . ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : { فإن جاءك أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها ، فادفعها إليه } . قال ابن المنذر : هذا الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أقول . ورواه ابن القصار : " فإن جاء باغيها ، ووصف عفاصها وعددها ، فادفعها إليه " . وفي حديث زيد الذي ذكرناه { اعرف وكاءها وعفاصها ، ثم عرفها سنة ، فإن لم تعرف ، فاستنفقها ، وإن جاء طالبها يوما من الدهر ، فأدها إليه } . يعني إذا ذكر صفاتها ; لأن ذلك هو المذكور في صدر الحديث ، ولم يذكر البينة في شيء من الحديث ، ولو كانت شرطا للدفع ، لم يجز الإخلال به ، ولا أمر بالدفع بدونه ، ولأن إقامة البينة على اللقطة تتعذر ; لأنها إنما سقطت حال الغفلة والسهو ، فتوقيف دفعها منع لوصولها إلى صاحبها أبدا ، وهذا يفوت مقصود الالتقاط ، ويفضي إلى تضييع أموال الناس ، وما هذا سبيله يسقط اعتبار البينة فيه ، كالإنفاق على اليتيم . والجمع بين هذا القول وبين تفضيل الالتقاط على تركه متناقض جدا ; لأن الالتقاط حينئذ يكون تضييعا لمال المسلم يقينا ، وإتعابا لنفسه بالتعريف الذي لا يفيد ، والمخاطرة بدينه بتركه الواجب من تعريفها ، وما هذا سبيله يجب أن يكون حراما ، فكيف يكون فاضلا . وعلى هذا نقول : لو لم يجب دفعها بالصفة ، لم يجز التقاطها ; لما ذكرناه ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { البينة على المدعي } . يعني إذا كان ثم منكر ; لقوله في سياقه : { واليمين على من أنكر } . ولا منكر هاهنا ، على أن البينة تختلف ، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم بينة مدعي اللقطة وصفها ، فإذا وصفها فقد أقام بينته . وقياس اللقطة على المغصوب غير صحيح ; فإن النزاع ثم في كونه مغصوبا ، والأصل عدمه ، وقول المنكر يعارض دعواه ، فاحتيج إلى البينة ، وها هنا قد ثبت كون هذا المال لقطة ، وأن له صاحبا غير من هو في يده ، ولا مدعي له إلا الواصف ، وقد ترجح صدقه ، فينبغي أن يدفع إليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية