الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولا ) يصح ( رهن لغيره ) أي غير المرهون عنده لمزاحمته حق الأول فيفوت مقصود الرهن نعم يجوز بإذن المرتهن ، قاله في البيان وغيره : يعني أنه ينفسخ الأول ويصح الثاني ، وقوله لغيره ليس بقيد فإنه لا يصح رهنه منه بدين آخر كما مر ( ولا التزويج ) [ ص: 263 ] من غيره لأنه يقلل الرغبة وينقص القيمة سواء العبد والأمة والخلية عند الرهن والمزوجة فإن زوج فالنكاح باطل لأنه ممنوع منه قياسا على البيع ، واحترز بذلك عن الرجعة فإنها تصح لتقدم حق الزوج ( ولا الإجارة ) من غيره ( إن كان الدين حالا أو يحل قبلها ) أي قبل مدتها لأنها تنقص القيمة وتقلل الرغبات كذا أطلقه الجمهور ، وقضية كلام التتمة البطلان فيما جاوز المحل فقط تفريقا للصفقة ، واختاره جمع متأخرون كالسبكي والأذرعي . ويؤيده ما في الهدنة ، وقد يفرق بأن الإجارة هنا لما وقعت مجاوزة للمحل كانت مخالفة لما أذن فيه شرعا فبطلت من أصلها نظير ما مر فيما لو استعار شيئا ليرهنه بعشرة بأكثر ، وفي إجارة ناظر الوقف بأزيد مما شرطه الواقف ، وكتصرف الوكيل في أزيد مما أذن له فيه الموكل ، أما إذا كان يحل بعد انقضائها أو معه فإنها تصح إن كان المستأجر عدلا أو رضي المرتهن بيد غير العدل وكالمستأجر المستعير ، فإن احتمل التقدم والتأخر والمقارنة أو اثنتين منها بأن يؤجره على عمل معين كبناء حائط صح كما اقتضاه كلام المصنف كالروضة وهو المعتمد

                                                                                                                            ويوجه وإن نظر فيه الإسنوي بأنها إنما امتنعت لنقصها القيمة وذلك غير محقق لعدم تحقق سببه ، وعلم مما تقرر من امتناع كل انتفاع يضر أن الصورة هنا أن الإجارة لا تؤثر نقصا في القيمة كبناء ، وأن تفريغ المأجور لا يطول زمنه بعد الحلول ولا تبطل بالحلول بموت الراهن كما رجحه الزركشي وغيره لوقوعها صحيحة ابتداء بل يصبر المرتهن إلى انقضائها ويضارب مع الغرماء ثم بعد انقضائها يقضي ما فضل له من المرهون ، فإن فضل منه شيء فللغرماء ، أما الإجارة من [ ص: 264 ] المرتهن فصحيحة ويستمر الرهن ( ولا الوطء ) أو الاستمتاع بكرا أو ثيبا ولو ممن لا تحبل حذرا من الحبل فيمن تحبل وحسما للباب في غيرها . نعم لو خاف الزنا لو لم يطأها فله وطؤها فيما يظهر لأنه كالمضطر قاله الأذرعي ، وما ذكره من أن الظاهر فيما لو استعار زوجته الأمة ورهنها وكانت حاملا منه أن له وطأها ما دامت حاملا وإن اشتراها بعد أن رهنها لفقد المحذور جاز على غير مرجح الشيخين ، أما على مرجحهما فيحرم عليه وطؤها مطلقا ، وخرج بالوطء بقية التمتعات فلا تحرم عليه كما جزم به الشيخ أبو حامد وجماعة منهم الرافعي في الاستبراء ، وقال الروياني وغيره بحرمتها أيضا خوف الوطء ، وقد جمع الشيخ بينهما بحمل الثاني على ما لو خاف الوطء ، والأول على ما لو أمنه وهو ظاهر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أنه ينفسخ الأول ) أي برهنه عند الثاني ( قوله : بدين آخر كما مر ) أي قبل فسخ الأول بخلافه بعده فإنه يصح ، ويفيد ذلك كلام سم على حج حيث قال : والمعتمد عند شيخنا الشهاب الرملي أنه لا يصح الرهن من المرتهن بدين آخر إلا بعد فسخ الأول فلا يكفي الإطلاق ، بخلاف رهنه من آخر بإذن المرتهن فإنه يصح ويكون فسخا للأول وإن لم يتقدم فسخ ا هـ وقول المصنف : ولا الإجارة قال سم على حج : لا يخفى أنه حيث جازت الإجارة جازت الإعارة بالأولى ، لكن هل يجوز مطلقا لإمكان الرجوع فيها متى شاء أو على تفصيل الإجارة [ ص: 263 ] أم كيف الحال ؟ فيه نظر ا هـ .

                                                                                                                            أقول : ينبغي الجواز مطلقا لانتفاء العلة وهي قوله لأنها تنقص القيمة إلخ ( قوله : والمزوجة ) أي بأن كانت مزوجة وطلقت ( قوله : فالنكاح باطل ) أي ثم إن وطئ الزوج فعليه المهر ، ولا حد إن جهل فساد النكاح كالأمة وإلا فعليه الحد ، ولا مهر لها إن علمت فساده إن لم يكن ثم من يقول بصحة التزويج وإلا فيجب المهر ولا حد مطلقا ( قوله : فبطلت ) معتمد ( قوله : بأزيد ) الأولى إسقاط الباء لأن الكلام فيها لو اشتمل العقد على ما يجوز وما لا يجوز ، وأما على نسخة الباء فالمعنى أن الواقف إذا شرط أن يؤجر بقدر فأجر بأكثر منه بطلت الإجارة وهو بعد تسليمه ليس مما الكلام فيه ( قوله : إذا كان ) أي الدين ( قوله فإنها تصح ) ظاهره الصحة وإن احتاج بعد فراغ المدة لزمن تنقل فيه الأمتعة يقابل بأجرة ، وعبارة حج : أو معه ولو احتمالا فيجوز إن لم تنقص بها قيمة المرهون ولم تمتد مدة تفريغه لما بعد الحلول زمنا له أجرة ا هـ وقضية ذلك أن الإجارة إذا كانت تنقضي بعد حلول الدين بزمن لا يقابل بأجرة لم يصح ، وعليه فيمكن الفرق بينه وبين ما لو كانت تنقضي معه ويتوقف تفريغ الأمتعة على مدة لا تقابل بأجرة بأنها إذا بقيت الإجارة لما بعد حلول الدين كانت منفعة تلك المدة مستحقة للمستأجر فتبقى اليد له حائلة بين المرتهن وبينها إذا أراد البيع ، ولا كذلك ما إذا انقضت الإجارة مع حلول الدين ( قوله : وكالمستأجر المستعير ) أي في صحة إعارته إن كان عدلا أو رضي به المالك ( قوله : بأن يؤجره ) أي المرهون ( قوله : كبناء ) أي كالإجارة لبناء بأن آجر العبد المرهون ليبني جدار الغير ( قوله : ويضارب مع الغرماء ) [ ص: 264 ] أي الآن ( قوله : وحسما ) أي سدا

                                                                                                                            ( قوله : في غيرها ) أي ولو قطع بعدم حملها كبنت ثمان سنين مثلا ( قوله : نعم لو خاف الزنا إلخ ) وهل يصدق في ذلك حتى يجب على المرتهن تمكينه من ذلك أو لا يكون الجواز له بالنسبة لما بينه وبين الله عز وجل ؟ فيه نظر ، ولا يبعد تصديقه إذا دلت القرينة بأن ظهر من حالة شدة الشبق ولم تعلم له قوة ديانة تمنعه ، ونقل عن بعضهم بالدرس أنه لا يصدق إلا بإخبار طبيبين وفيه نظر ، فإن خوف الزنا لا يكون إلا عند رقة الديانة كما صرحوا به في نكاح الأمة حيث قالوا في ضابط خوف الزنا وقويت شهوته وضعف تقواه ، والأطباء لا دخل لهم في معرفة ذلك فالظاهر التعويل على القرينة ( قوله : فله وطؤها ) فلو حبلت هل ينفذ وقياس الجواز النفوذ ا هـ سم على حج . وقد يمنع لأن مجرد الإضرار يسقط حرمة الوطء ولا يلزم منه تفويت حق المرتهن بل القياس أنه إن كان موسرا نفذ وإلا فلا كما لو وطئ بلا إذن ، وظاهر إطلاق الشارح أنه لا يكلف العزل وهو ظاهر لأن في ذلك مشقة على الواطئ ( قوله : فيحرم عليه وطؤها ) أي الزوجة ( قوله : مطلقا ) حاملا أم لا ( قوله : فلا تحرم عليه ) أي الزوج معتمد ( قوله : وهو ظاهر ) لكن يتأمل الفرق على هذا بينه وبين السيد حيث قيل فيه بحرمة الاستمتاع وإن لم تحبل وظاهره وإن أمن الوطء ولعله استحقاق الزوج الوطء بالزوجية وليس لها تعلق بالرهن فتوسع فيما تعلق به بل كان القياس جواز وطئه لكن عبارة حج بعد قول المصنف ولا الوطء أو الاستمتاع أو الاستخدام إن جر لوطء وعليه فلا فرق بين استمتاع الزوج والسيد .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : يصح ) الذي حل به المتن غير مناسب [ ص: 263 ] لأن قول المصنف ولا رهنه معطوف على تصرف يزيل الملك من قول المصنف وليس له تصرف إلخ ( قوله : واحترز بذلك عن الرجعة ) فيه مسامحة ; لأن الكلام فيما يمتنع على الراهن ، وقد يصور بكون الراهن هو الزوج بأن استعار زوجته الأمة ورهنها وطلقها وراجعها . ( قوله : لما وقعت مجاوزة للمحل كانت مخالفة إلخ ) هذا يجري بعينه في الهدنة فلا يحسن فرقا .

                                                                                                                            نعم قد يفرق بأنه إنما بطل في الهدنة في الزائد فقط لما يلزم قيام بطلانها من أصلها من المفسدة العامة إذ هي من مصالح المسلمين العامة فليتأمل ( قوله : وعلم مما تقرر ) يعني في كلامهم وإلا فهو لم يقرر ما يعلم منه ذلك . ( قوله : كبناء ) تمثيل لما يورث نقصا كما يعلم مما يأتي في كلامه [ ص: 264 ] قوله : أو الاستمتاع ) أي إن جر إلى وطء كما يعلم مما يأتي المغني عما هنا ( قوله : وخرج بالوطء ) أي في كلام [ ص: 265 ] المصنف لا في كلام الأذرعي خلافا لما وقع في كلام الشيخ حيث فهم الثاني حتى رتب عليه ما في حاشيته




                                                                                                                            الخدمات العلمية