الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب تسميتها بالعشاء على العتمة

                                                                                                                                            465 - ( عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 21 ] قال : { لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه ، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا } . متفق عليه : زاد أحمد في روايته عن عبد الرزاق ، فقلت لمالك : أما تكره أن تقول العتمة قال هكذا قال الذي حدثني ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ) أي من مزيد الفضل وكثرة الأجر قوله : ( لأتوهما ) أي لأتوا المحل الذي يصليان فيه جماعة وهو المسجد . قوله : ( ولو حبوا ) أي زحفا إذا منعهم مانع من المشي كما يزحف الصغير . ولابن أبي شيبة من حديث أبي الدرداء : { ولو حبوا على المرافق والركب } الحديث يدل على استحباب القيام بوظيفة الأذان والملازمة للصف الأول والمسارعة إلى جماعة العشاء والفجر ، وسيأتي الكلام على ذلك ويدل على جواز تسمية العشاء بالعتمة وقد ورد من حديث عائشة عند البخاري بلفظ : { أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعتمة } ومن حديث جابر عند البخاري أيضا بلفظ : { صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء وهي التي تدعو الناس العتمة } ومن حديث غيرهما أيضا

                                                                                                                                            وقد استشكل الجمع بين هذا الحديث وبين حديث ابن عمر الآتي فقال النووي وغيره : الجواب عن حديث أبي هريرة من وجهين أحدهما : أنه استعمل لبيان الجواز وأن النهي عن العتمة للتنزيه لا للتحريم . والثاني : أنه يحتمل أنه خوطب بالعتمة من لا يعرف العشاء فخوطب بما يعرفه أو استعمل لفظ العتمة ; لأنه أشهر عند العرب ، وإنما كانوا يطلقون العشاء على المغرب كما في صحيح البخاري ومسلم بلفظ : { لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب قال : والأعراب تقول : هي العشاء ، } وقد تقدم هذا الحديث والكلام عليه . وقيل : إن النهي عن تسمية العتمة عتمة ناسخ للجواز ، وفيه أنه يحتاج في مثل ذلك إلى معرفة التاريخ والعلم بتأخر حديث المنع .

                                                                                                                                            قال الحافظ في الفتح : ولا يبعد أن ذلك كان جائزا فلما كثر إطلاقهم له نهوا عنه لئلا تغلب السنة الجاهلية على السنة الإسلامية ، ومع ذلك فلا يحرم ذلك بدليل أن الصحابة الذين رووا النهي استعملوا التسمية المذكورة ، وأما استعمالها في مثل حديث أبي هريرة فلدفع الالتباس بالمغرب والله أعلم ا هـ .

                                                                                                                                            466 - ( وعن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء وهم يعتمون بالإبل } . رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه ، وفي رواية لمسلم { لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء فإنها في كتاب الله العشاء وإنها تعتم بحلاب الإبل ) } .

                                                                                                                                            [ ص: 22 ] الحديث أخرج نحوه ابن ماجه من حديث أبي هريرة بإسناد حسن قاله الحافظ . وأخرج نحوه أيضا البيهقي وأبو يعلى من حديث عبد الرحمن بن عوف . كذلك زاد الشافعي في روايته في حديث ابن عمر : وكان ابن عمر إذا سمعهم يقولون العتمة صاح وغضب ، وأخرج عبد الرزاق هذا الموقوف من وجه آخر .

                                                                                                                                            وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه قال له ميمون بن مهران : من أول من سمى العشاء العتمة ؟ قال : الشيطان والحديث يدل على كراهة تسمية العشاء بالعتمة ، وقد ذهب إلى ذلك ابن عمر وجماعة من السلف ، ومنهم من قال بالجواز ، وقد نقله ابن أبي شيبة عن أبي بكر الصديق وغيره ، ومنهم من جعله خلاف الأولى ، وقد نقله ابن المنذر عن مالك والشافعي واختاره . قال الحافظ وهو الراجح : واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة المتقدم وقد تقرر أن جواز المصير إلى الترجيح مشروط بتعذر الجمع ولم يتعذر ههنا كما عرفت في شرح الحديث الأول

                                                                                                                                            قوله : ( يعتمون ) قد تقدم تفسير ذلك في باب وقت صلاة العشاء .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية