الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        125 - الحديث الأول : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال { سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر - ما ترى في صلاة الليل ؟ قال : مثنى ، مثنى . فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة . فأوترت له ما صلى . وإنه كان يقول : اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا } .

                                        التالي السابق


                                        " الكلام على هذا الحديث من وجوه :

                                        أحدها : قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى " أخذ به مالك رحمه الله في أنه لا يزاد في صلاة النفل على ركعتين . وهو ظاهر هذا اللفظ في صلاة الليل . وقد ورد حديث آخر " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى " وإنما قلنا : إنه ظاهر اللفظ . لأن المبتدأ محصور في الخبر . فيقتضي ذلك حصر صلاة الليل فيما هو مثنى . وذلك هو المقصود ، إذ هو ينافي الزيادة . فلو جازت الزيادة لما انحصرت صلاة الليل في المثنى . وهذا يعارضه ظاهر حديث عائشة الآتي ، وقد أخذ به الشافعي ، وأجاز الزيادة على ركعتين من غير حصر في العدد ، وذكر بعض مصنفي أصحابه شرطين في ذلك ، وحاصل قوله : أنه متى تنفل بأزيد من ركعتين ، شفعا أو وترا ، فلا يزيد على تشهدين .



                                        ثم إن كان المتنفل به شفعا ، فلا يزيد بين التشهدين على ركعتين . وإن كان وترا ، فلا يزيد بين التشهدين على ركعة . فعلى هذا : إذا تنفل بعشر ، جلس [ ص: 319 ] بعد الثامنة . ولا يجلس بعد السابعة ، ولا بعد ما قبلها من الركعات . لأنه حينئذ يكون قد زاد على ركعتين بين التشهدين . فإذا تنفل بخمس - مثلا - جلس بعد الرابعة ، وبعد الخامسة إن شاء ، أو بسبع . فبعد السادسة والسابعة . وإن اقتصر على جلوس واحد في كل ذلك جاز . وإنما ألجأه إلى ذلك : تشبيه النوافل بالفرائض . والفريضة الوتر : هي صلاة المغرب . وليس بين التشهدين فيها أكثر من ركعة . والفرائض الشفع : ليس بين التشهدين فيها أكثر من ركعتين . ولم يتفق أصحاب الشافعي على هذا الذي ذكره .

                                        الوجه الثاني من الكلام على الحديث : أنه كان يقتضي ظاهره عدم الزيادة على ركعتين ، فكذلك يقتضي عدم النقصان منهما .



                                        ، وقد اختلفوا في التنفل بركعة فردة . والمذكور في مذهب الشافعي : جوازه . وعن أبي حنيفة : منعه ، والاستدلال به لهذا القول كما تقدم ، وهو أولى من استدلال من استدل على ذلك بأنه لو كانت الركعة الفردة صلاة لما امتنع قصر صلاة الصبح والمغرب . فإن ذلك ضعيف جدا . .



                                        الوجه الثالث : يقتضي الحديث تقديم الشفع على الوتر من قوله " صلاة الليل مثنى مثنى " وقوله " توتر له ما صلى " فلو أوتر بعد صلاة العشاء من غير شفع : لم يكن آتيا بالسنة ، وظاهر مذهب مالك : أنه لا يوتر بركعة فردة هكذا من غير حاجة . .



                                        الوجه الرابع : يفهم منه انتهاء وقت الوتر بطلوع الفجر من قوله " فإذا خشي أحدكم الصبح " وفي مذهب الشافعي وجهان :

                                        أحدهما : أنه ينتهي بطلوع الفجر . والثاني : ينتهي بصلاة الصبح .



                                        الوجه الخامس : قد يستدل بصيغة الأمر من يرى وجوب الوتر . فإن كان يرى بوجوب كونه آخر صلاة الليل : فاستدلال قريب ، ولا أعلم أحدا قال ذلك . وإن كان لا يرى بذلك ، فيحتاج أن يحمل الصيغة على الندب . ولا يستقيم الاستدلال بها على وجوب أصل الوتر عند من يمنع من استعمال اللفظ الواحد في الحقيقة والمجاز ، وإلا كان جمعا بين الحقيقة والمجاز في لفظة واحدة . وهي صيغة الأمر .

                                        الوجه السادس : يقتضي الحديث أن يكون الوتر آخر صلاة الليل . فلو أوتر ثم أراد التنفل ، فهل يشفع وتره بركعة أخرى ثم يصلي ؟ فيه وجهان للشافعية وإن [ ص: 320 ] لم يشفعه بركعة ثم تنفل ، فهل يعيد الوتر أخيرا ؟ فيه قولان للمالكية . فيمكن كل واحد من الفريقين أن يستدل بالحديث بعد تقديم مقدمة لكل واحد منهما يحتاج إلى إثباتها . أما من قال ، إنه يشفع وتره فيقول : الحديث يقتضي أن يكون آخر صلاة الليل وترا . وذلك يتوقف على أن لا يكون قبله وتر ، لما جاء في الحديث " لا وتران في الليلة " فلزم عن ذلك : أن يشفع الوتر الأول . فإنه إن لم يشفعه وأعاد الوتر ، لزم وتران في ليلة ، وإن لم يعد الوتر ، لم يكن آخر صلاة الليل وترا ، وأما من قال : لا يشفع ولا يعيد الوتر : فلأنه منع أن ينعطف حكم صلاة على أخرى بعد السلام والحديث ، وطول الفصل ، إن وقع ذلك . فإذا لم يجتمعا فالحقيقة أنهما وتران ، ولا وتران في ليلة ، فامتنع الشفع . وامتنع إعادة الوتر أخيرا ، ولم يبق إلا مخالفة ظاهر قوله عليه السلام " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " ولا يحتاج إلى الاعتذار . وهو محمول على الاستحباب ، كما أن الأمر بأصل الوتر كذلك ، وترك المستحب أولى من ارتكاب المكروه ، وأما من قال بالإعادة : فهو أيضا مانع من شفع الوتر للأول محافظة على قوله عليه السلام " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " ويحتاج إلى الاعتذار عن قوله " لا وتران في ليلة " . واعلم أنه ربما يحتاج في هذه المسألة إلى مقدمة أخرى . وهو أن التنفل بركعة فردة : هل يشرع ؟ فعليك بتأمله .




                                        الخدمات العلمية