الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [5 - 14] قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا

                                                                                                                                                                                                                                      قال أي: نوح بعد أن بذل غاية الجهد، وضاقت عليه الحيل، في تلك المدد الطوال، رب إني دعوت قومي أي: إلى التوحيد والعمل الصالح ليلا ونهارا أي: دائما بلا فتور ولا توان.

                                                                                                                                                                                                                                      فلم يزدهم دعائي إلا فرارا أي: من الحق الذي أرسلتني به.

                                                                                                                                                                                                                                      وإني كلما دعوتهم أي: إلى الإيمان لتغفر لهم أي: بسببه جعلوا أصابعهم في آذانهم أي: سدوا مسامعهم من استماع الدعوة واستغشوا ثيابهم أي: تغطوا بها من كراهة النظر إلى وجه من ينصحهم في الدين وأصروا أي: على الشر والكفر واستكبروا استكبارا أي: تعاظموا عن الإذعان للحق، وقبول ما دعوتهم إليه من النصيحة.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم إني دعوتهم [ ص: 5935 ] جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا أي: دعوتهم مرة بعد مرة، على وجوه متنوعة، ما بين مجاهرة وإظهار بلا خفاء، وما بين إعلان وصياح بهم، وما بين إسرار فيما بيني وبينهم في خفاء. وهذه المراتب أقصى ما يمكن للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.

                                                                                                                                                                                                                                      فقلت استغفروا ربكم أي: سلوه العفو عما سلف بالتوبة النصوح إنه كان غفارا أي: لذنوب من تاب وأناب.

                                                                                                                                                                                                                                      يرسل السماء أي: المطر عليكم مدرارا أي: متتابعا.

                                                                                                                                                                                                                                      ويمددكم بأموال وبنين أي: فيكثرها عندكم ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا أي: لسقيا جناتكم ومزارعكم.

                                                                                                                                                                                                                                      ما لكم لا ترجون لله وقارا أي: لا ترون له عظمة؛ إذ تشركون معه ما لا يسمع ولا يبصر، فنفي الرجاء مراد به نفي لازمه، وهو الاعتقاد، مبالغة. وجوز أن يكون الرجاء بمعنى الخوف؛ أي: ما لكم لا تخافون عظمة الله. ومنه قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      إذا لسعته النحل لم يرج لسعها



                                                                                                                                                                                                                                      قال الشهاب: وهو أظهر.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 5936 ] وقد خلقكم أطوارا أي: تارات ترابا ثم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم أجنة، وهكذا طورا بعد طور. أي: ومقتضى علم ذلك شدة الرهبة من بطشه وأخذه، لعظيم قدرته. هذا في أنفسكم. وهكذا يستدل على باهر عظمته، وقاهر قدرته من آياته الكونية. كما قال:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية