الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا هذا وصف آخر لليهود في ماضيهم، وفي حاضرهم، فهم يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، ويفرحون بما أتوا، وتلك طبيعة الضال دائما، فالضال يفرح بكل ما يعمله، ويزين له سوء عمله فيراه حسنا، ويحب أن يحمد بما لم يفعل، فيدعي لنفسه من المحاسن ما شاء، وينكر محاسن غيره. والنهي موجه للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو نهي مؤكد عن حسبان الخير فيهم فالتأكيد في قوله تعالى: لا تحسبن الذين يفرحون هو تأكيد للنهي، وليس بتوكيد للظن، فليس النهي منصبا على الظن المؤكد، وغيره لا يكون منهيا عنه، بل التوكيد هو لأصل النهي؛ أي: ينهى الله- سبحانه وتعالى- نبيه نهيا مؤكدا عن أن يظن فيهم خيرا، أو يصيبهم خير، و " تحسب " لها مفعولان أصلهما مبتدأ وخبر، والمفعول الأول هو (الذين يفرحون بما أتوا) إلى آخره، والمفعول الثاني محذوف دل عليه ما بعده، وتقدير الكلام هكذا: ولا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا موفقين أو مهتدين، أو صالحين، وحذف لدلالة ما بعده عليه، وليذهب العقل كل مذهب فيما يتناسب مع الوصف الذي وصفهم سبحانه به، وهو أنهم يزينون أعمالهم، ويرغبون في المدح الكاذب، فإن ذلك هو الضلال البعيد، وليرتب السامع عليه ما شاء من عدم الهداية وعدم التوفيق، والبعد عن الخير والنفع، فكل ذلك وغيره يتضمنه الكلام المحذوف. [ ص: 1544 ] وقد صرح سبحانه بهلاكهم، فقال سبحانه: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب أي: إذا كانوا بهذا الوصف الذي وصفوا به، وهو الضلال المبين فلا تحسبنهم بمفازة أي: بمنجاة من العذاب، والتعبير عن النجاة من العذاب الأليم بقوله تعالى: " بمفازة " الإشارة إلى أن أقصى ما يكون لهم من فوز أن ينجوا من العذاب الأليم أي: المؤلم، ولكنهم لن ينجوا منه أبدا، ولذا أكد النهي بالخبر، فقال: " ولهم عذاب أليم " أي: عذاب مؤلم أشد الإيلام، أو بكل ما يتصور العقل من إيلام، ولذلك جاءت كلمة (أليم) نكرة، فذكر سبحانه عذابهم الأليم بالسلب والإيجاب، فنفى أولا أنهم بمنجاة منه، وأخبر ثانيا بأنهم واقعون، وهنا بيان لطرق الشيطان إلى النفس. إنه يجعل الشخص يحمد كل ما يأتيه أي: يصدر عنه، ويجعل نفسه هي مقياس الخير والشر، ويحبب إليه الثناء بغير الحق، وذلك هو الغرور، وهو الضلال، وهو الضعف النفسي، والفرح بما لم يفعل، وإن الثناء الكاذب ضار بمن يكون موضع الثناء، وضار بالمجتمع ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: " إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب " ، وقال - صلى الله عليه وسلم -: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله " اللهم اكفنا شر النفاق، وامنعنا من الغرور، وثبت قلوبنا وألسنتنا وأقلامنا على قول الحق، إنك سميع الدعاء.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية