الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة : ( ويبدأ بالحجر الأسود فيستلمه ، ويقبله ، ويقول : بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ، ووفاء بعهدك ، واتباعا لسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - ) .

وجملة ذلك : أن السنة للطائف أن يبتدئ بالحجر الأسود فيستلمه بيده ، والاستلام : هو مسحه بيده ، وفيه وجهان ؛ . . .

والتقبيل بالفم ... ؛ وذلك لما روى جابر في حديثه - في صفة حجة النبي [ ص: 424 ] - صلى الله عليه وسلم - قال : ( حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن ، فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ) ؛ وفي رواية : لما قدم مكة : ( أتى الحجر فاستلمه ، ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ) . رواه مسلم .

وعن عمر قال : ( فطاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم مكة ، فاستلم الركن أول شيء ، ثم خب ثلاثة أطواف من السبع ، ومشى أربعة أطواف ، ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت - عند المقام - ركعتين ، ثم سلم فانصرف فأتى الصفا ، فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ) متفق عليه .

وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال : ( رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الحجر ) ، وقال : لولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلك ما قبلتك .

وعن عابس بن ربيعة ، عن عمر : ( أنه جاء إلى الحجر فقبله ، فقال : إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك ) . متفق عليهما .

[ ص: 425 ] وعن سويد بن غفلة قال : ( رأيت عمر قبل الحجر والتزمه ، وقال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بك حفيا ) . رواه مسلم .

وعن الزبير بن عربي قال : ( سأل رجل عمر عن استلام الحجر ، فقال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلمه ويقبله ، وقال : أرأيت إن زحمت أرأيت إن غلبت ، قال : اجعل أرأيت باليمن رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلمه ويقبله ) . رواه البخاري .

فإن لم يمكنه تقبيله : استلمه وقبل يده . ذكره أصحابنا لما روى نافع قال : ( رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده ، ثم قبل يده ، وقال : ما تركته منذ رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله ) . متفق عليه .

[ ص: 426 ] ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستلمه بالمحجن ، ويقبل المحجن ، فتقبيل اليد إذا استلمه بها أولى .

وقال ابن جريج : " قلت لعطاء : هل رأيت أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استلموا قبلوا أيديهم ؟ ، قال : نعم رأيت جابر بن عبد الله ، وابن عمر ، وأبا سعيد ، وأبا هريرة إذا استلموا قبلوا أيديهم " . رواه الشافعي .

فإن كان راكبا استلمه بعصا ونحوها ، وهل يستحب له ذلك راجلا ؟ .. . .

لما روي عن ابن عباس قال : ( طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجه على بعير يستلم الركن بمحجن ) . رواه الجماعة إلا الترمذي والنسائي .

[ ص: 427 ] وفي رواية لأحمد والبخاري : ( طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بعير ، كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده وكبر ) .

ومعنى هذه الرواية : أنه يشير إليه إشارة يمس بها الحجر كما جاء مفسرا أنه استلم الركن بمحجن ، ولو لم يمس المحجن الحجر لكانت الإشارة باليد أولى .

وعن أبي الطفيل قال : ( رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ، ويقبل المحجن ) . رواه مسلم ، وأبو داود ، وابن ماجه ، وأحمد ولم يذكر تقبيل المحجن .

وعن مجاهد : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف ليلة الإفاضة على راحلته واستلم الركن ) . يعني يستلم الركن بمحجن ويقبل المحجن . رواه أبو داود في المراسيل .

ويستحب له : أن يقبل ما يستلمه به لما تقدم من النص ، فإن لم يمكنه [ ص: 428 ] التقبيل ولا الاستلام بيده ، ولا شيء ، فقال كثير من أصحابنا : يشير إليه بيده منهم القاضي وأصحابه .

والمنصوص عنه - في رواية المروذي - : ثم ائت الحجر الأسود ، فاستلمه إن استطعت ، وقبله ، وإن لم تستطع فقم بحياله ، وارفع يديك وقل : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، اللهم تصديقا بكتابك واتباعا لسنتك وسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - لا إله إلا الله والله أكبر ، اللهم إليك بسطت يدي ، وفيما لديك عظمت رغبتي ، فاقبل دعوتي وأقلني عثرتي ، وارحم تضرعي وجدلي بمغفرتك يا إلهي آمنت بك وكفرت بالطاغوت .

وكذلك نقل عنه عبد الله : أنه يستقبله ويرفع يديه ويكبر ، وكذلك قال القاضي : إن لم يمكن استلامه لأجل الزحمة : قام حياله ، ورفع يده وكبر . هكذا قال : في رواية الأثرم .

ولم يقل إنه يقبل . وهذا أصح لما روي عن عمر بن الخطاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : ( يا عمر ، إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف ، إن وجدت فرجة فاستلمه ، وإلا فاستقبله وهلل وكبر ) . رواه أحمد .

[ ص: 429 ] وروى الأزرقي - في أخبار مكة - عن جده ، عن ابن عيينة ، عن أبي يعفور العبدي قال ( : سمعت رجلا من خزاعة - كان أميرا على مكة منصرف الحاج عن مكة - يقول : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر بن الخطاب : يا عمر ، إنك رجل قوي ، وإنك تؤذي الضعيف ، فإذا وجدت خلا فاستلمه ، وإلا فامض وكبر ) . هذا معنى المنصوص عن أحمد .

[ ص: 430 ] وعن هشام بن عروة : ( أن عمر - رضي الله عنه - : كان يستلمه إذا وجد فجوة ، فإذا اشتد الزحام كبر كلما حاذاه ) . رواه الأزرقي .

ولأن الإشارة إليه بالاستلام من غير مماسة ليس فيه ، ولا معنى فيه فأشبه الإشارة إليه بالقبلة .

وبكل حال : فلا يقبل يده إذا أشار إليه بالاستلام من غير استلام ؛ لأن التقبيل إنما هو للحجر ، أو لما مس الحجر .

وأما رفع اليد فهو مسنون عنده .

وأما السجود عليه : فقد ذكر لأحمد حديث ابن عباس في السجود على الحجر فحسنه . وقد رواه الأزرقي ، عن جده ، عن ابن عيينة ، عن ابن جريج ، عن محمد بن عباد بن جعفر ، قال : ( رأيت ابن عباس - رضي الله عنهما - جاء يوم التروية وعليه حلة مرجلا رأسه : فقبل الحجر وسجد عليه ثلاثا ) . ورواه أبو [ ص: 431 ] يعلى الموصلي في مسنده من حديث أبي داود الطيالسي ، عن جعفر بن عثمان المخزومي قال : ( رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر ، وسجد عليه ، وقال : رأيت خالي ابن عباس يقبل الحجر ويسجد عليه ، وقال : رأيت عمر يقبل الحجر ويسجد عليه ، وقال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله ) .

وحديث عمر الذي تقدم في صحيح مسلم : ( أنه قبل الحجر والتزمه ، وقال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بك حفيا ) يؤيد هذا .

وروى الأزرقي : " أن طاوسا أتى الركن فقبله ثلاثا ، ثم سجد عليه ، وقال : قال عمر بن الخطاب : إنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك ) وهل يستلم الركن غير الحجر ؟ .. . .

وأما الذكر الذي يقال عنده : فقد تقدم حديث ابن عباس الصحيح : ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان كلما أتى الركن أشار إليه بشيء في يده وكبر ) وقال لعمر : ( استقبله وهلل وكبر ، وفي لفظ : كبر وامض ) . فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتكبير والتهليل وهذا هو المنصوص عن أحمد قال ابن جريج : قلت : هل بلغك من قول يستحب عند استلام الركنين ؟ ، قال : لا ، وكأنه يأمر بالتكبير . ذكره الأزرقي .

[ ص: 432 ] وأما الزيادة التي ذكرها أصحابنا : فقد روي عن ابن عمر : ( أنه كان إذا استلم الركن قال : بسم الله والله أكبر ) . رواه الأزرقي ، والطبراني بإسناد جيد .

وروي أيضا عن الحارث ، عن علي : ( أنه كان إذا استلم الحجر قال : اللهم إيمانا بك ، وتصديقا بكتابك وسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - ) ، وروى الأزرقي عن سعيد بن سالم ، أخبرني موسى بن عبيدة عن سعد بن إبراهيم بن [ ص: 433 ] المسيب أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يقول - إذا كبر لاستلام الحجر - : بسم الله والله أكبر على ما هدانا ، لا إله إلا هو وحده لا شريك له آمنت بالله ، وكفرت بالطاغوت ، وباللات والعزى ، وما يدعى من دون الله . ( إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ) .

قال عثمان : بلغني أنه يستحب أن يقال عند استلام الركن : بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية