الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4266 (10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

                                                                                              [ 2219 ] عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق ناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا، وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عري في عنقه السيف، وهو يقول: "لم تراعوا، لم تراعوا". قال: "وجدناه بحرا أو إنه لبحر". وكان فرسا يبطأ.

                                                                                              قال في رواية: فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة يقال له: مندوب فركبه فقال: "ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحرا".

                                                                                              رواه أحمد ( 3 \ 171 )، والبخاري (2627)، ومسلم (2307) (48 و 49)، وأبو داود (1988)، والترمذي (1685). [ ص: 99 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 99 ] (10 و 11 و 12) ومن باب: شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وجوده وحسن خلقه

                                                                                              (قوله: " فزع أهل المدينة ") أي: ذعروا من عدو دهمهم، وقد قدمنا أن الفزع يقال على أوجه متعددة، و " لم تراعوا " أي: لم يصبكم روع، أو لا روع عليكم.

                                                                                              و (قوله: " وجدناه بحرا ") يعني: الفرس، أي: وجدناه يجري كثيرا جريا متتابعا كالبحر. وقد تقدم: أن أصل البحر: السعة، والكثرة. ويقال: فرس سحب، وبحر، وسكب، وفيض، وغمر: إذا كان سريعا، كثير الجري، شديد العدو.

                                                                                              و (قوله: " وكان فرسا يبطأ ") أي: ينسب البطء إليه، ويعرف به، فلما ركبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركته بركته، فسابق الجياد، وصار نعم العتاد. والرواية [ ص: 100 ] المشهورة: يبطأ بالمثناة تحت والموحدة، من البطء: ضد السرعة، وعند الطبري : " ثبطا " أي: ثقيلا. وهو بمعنى الأول. والفرس العري الذي لا سرج عليه، يقال: فرس عري وخيل أعراء. ويقال: رجل عريان، ورجال عرايا.

                                                                                              وفي هذا الحديث ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد جمع له من جودة ركوب الخيل، والشجاعة، والشهامة، والانتهاض الغائي في الحروب، والفروسية وأهوالها، ما لم يكن عند أحد من الناس، ولذلك قال أصحابه عنه: إنه كان أشجع الناس، وأجرأ الناس في حال البأس، ولذلك قالوا: إن الشجاع منهم كان الذي يلوذ بجنابه إذا التحمت الحروب، وناهيك به، فإنه ما ولى قط منهزما، ولا تحدث أحد عنه قط بفرار.

                                                                                              ومندوب: اسم علم لذلك الفرس. وقيل: إنه سمي بذلك لأنه كان يسبق، فيجوز الندب، وهو: الخطر الذي يجعل للسابق، وكأنه إنما حدث له هذا الاسم بعد أن ركبه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر أنه كان لرسول الله فرس يسمى مندوبا، ويحتمل أن يكون هذا الفرس انتقل من ملك أبي طلحة إلى ملك النبي صلى الله عليه وسلم إما بالهبة، وإما بالابتياع، ويحتمل أن يكون فرسا آخر وافقه في ذلك الاسم، والله أعلم.




                                                                                              الخدمات العلمية