الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 28 ] مسألة قال : ( وإذا وجد الشاة بمصر ، أو بمهلكة ، فهي لقطة ) يعني أنه يباح أخذها والتقاطها ، وحكمها إذا أخذها حكم الذهب والفضة ، في التعريف والملك بعده . هذا الصحيح من مذهب أحمد ، وقول أكثر أهل العلم . قال ابن عبد البر : أجمعوا على أن ضالة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها ، وكذلك الحكم في كل حيوان لا يمتنع بنفسه من صغار السباع ، وهي الثعلب ، وابن آوى ، والذئب ، وولد الأسد ونحوها

                                                                                                                                            فما لا يمتنع منها ، كفصلان الإبل ، وعجول البقر ، وأفلاء الخيل ، والدجاج ، والإوز ونحوها ، يجوز التقاطه . ويروى عن أحمد رواية أخرى ، ليس لغير الإمام التقاطها . وقال الليث بن سعد : لا أحب أن يقربها ، إلا أن يحوزها لصاحبها ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يؤوي الضالة إلا ضال } . ولأنه حيوان أشبه الإبل . ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم { لما سئل عن الشاة : خذها ، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب } . متفق عليه

                                                                                                                                            ولأنه يخشى عليه التلف والضياع ، فأشبه لقطة غير الحيوان ، وحديثنا أخص من حديثهم ، فنخصه به ، والقياس على الإبل لا يصح ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم علل منع التقاطها بأن معها حذاءها وسقاءها ، وهذا معدوم في الغنم ، ثم قد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في خبر واحد ، فلا يجوز الجمع بين ما فرق الشارع بينهما ، ولا قياس ما أمر بالتقاطه على ما منع ذلك فيه . إذا ثبت هذا ، فلا فرق بين أن يجدها بمصر أو بمهلكة . وقال مالك ، وأبو عبيد ، وابن المنذر ، في الشاة توجد في الصحراء : اذبحها ، وكلها . وفي المصر : ضمها حتى يجدها صاحبها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { هي لك أو لأخيك أو للذئب } . والذئب لا يكون في المصر

                                                                                                                                            ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خذها " . ولم يفرق ، ولم يستفصل ، ولو افترق الحال لسأل واستفصل ، ولأنها لقطة ، فاستوى فيها المصر والصحراء ، كسائر اللقطات . وقولهم : إن الذئب لا يكون إلا في الصحراء . قلنا : كونها للذئب في الصحراء لا يمنع كونها لغيره في المصر . إذا ثبت هذا ، فإنه متى عرفها حولا كاملا ، ملكها . وذكر القاضي ، وأبو الخطاب ، عن أحمد ، رواية أخرى ، أنه لا يملكها . ولعلها الرواية التي منع من التقاطها فيها . ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : { هي لك أو لأخيك } ، فأضافها إليه فاللام التمليك ، ولأنها يباح التقاطها ، فملكت بالتعريف ، كالأثمان ، ولأن ذلك إجماع ، حكاه ابن عبد البر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية