الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              - المطلب الأول: الجواز في الوقف:

              ذهب جمهور الفقهاء من الشافعية [1] والمالكية [2] والحنابلة [3] والحنفية [4] – إلا رواية عن أبي حنيفة وزفر، رحمهما الله، والظاهرية [5] والزيدية [6] والجعفرية [7] إلى أن الوقف جائز شرعا في الدور والأراضي بما فيها من بناء وزرع والسلاح والكراع والمصاحف وغيرها. [ ص: 56 ] وذكر ابن حزم، أن هناك من قيد الجواز، منهم عبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب وابن عباس، رضي الله عنهم، إذ أباحوه بالسلاح والكراع فقط، وأبطلوه فيما عدا ذلك [8] .

              أما أدلة المجوزين، فمن الكتاب والسنة.

              أما الكتاب، فقوله تعالى: ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) (آل عمران:92) ، وفي هذه الآية دلالة على ندب الصدقات بشكل عام، والوقف صدقة، فهو مندوب أيضا.

              روى أنس، رضي الله عنه، لما نزلت ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم ) قـال أبـو طلحـة: يا رسول الله، إن الله يقول: ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) ، وإن أحب أموالي إلي (بيرحاء) [9] ، وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله تعـالى. فقـال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اجعلها في قرابتك، في حسان بن ثابت وأبي بن كعب ) [10] . [ ص: 57 ]

              أما من السنة:

              1- روى البخـاري [11] ومسـلم في صحيحـه وأبو داوود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ) [12] . قال النووي [13] ، رحمه الله، في شرح مسلم: قال العلماء: معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه كان سببهـا؛ فإن الولد من كسبـه، وكذلك العلم الذي علمه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف...قال: «وفيه دليل لصحة أصل الوقف وعظيم ثوابه».

              2- استدل القائلون بجواز الوقف بوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد روي عن عمر بن الحارث بن المصطلق، أنه قال [14] : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بغلته وسلاحه، وأرضا تركها صدقة [15] .

              3- واستدلوا أيضا بوقف صحابته وإقراره على ذلك حيث ورد: [ ص: 58 ] أ- ما رواه الشيخـان عن ابن عمـر، رضـي الله عنهما، أن عمر ابن الخطاب أصـاب أرضا بخيبـر فأتـى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه فما تأمر به؟ قـال: ( إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها ) ، قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث [16] .

              ب- وعن عثمان بن عفان، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قدم المدينة وليس بها ماء يستعـذب غير بئر رومة، فقال: ( من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة فاشتريتها من صلب مالي ) . [17] ج- ما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه، أن علي بن أبي طالب، قطع له عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، ينبع [18] ، ثم اشترى علي إلى قطيعة عمر أشياء، فحفر فيها عينا، فبينما هم يعملون إذ تفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء، فأتي علي وبشر بذلك؛ قال: بشر الوارث، ثم تصدق بها على الفقراء، والمساكين، وفي سبيل الله وابن السبيل، القريب والبعيد، وفي السلم والحرب، ليوم تبيض وجوه وتسود وجوه، ليصرف الله بها وجهي عن النار، ويصرف النار عن وجهي [19] . [ ص: 59 ] د- وفي الباب أحاديث أخر، وفيمـا ذكر كفاية. وقد روى البيهقي [20] ، رحمه الله، وقف كثير من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، منهم أبو بكر وعمر وعلي والزبير وسعيد وعمرو بن العاص وحكيم بن حزام وأنس وزيد بن ثابت، رضي الله عنهم.

              هـ- قال الحميدي [21] شيخ البخاري: تصدق أبو بكر، رضي الله عنه، بداره عـلى ولده، وعمـر بربعه عنـد المروة على ولـده، وعثمان برومة، وتصدق علي بأرضه بينبع، وتصدق الزبير بداره بمكة وداره بمصر وأمواله بالمدينـة على ولده، وعمرو بن العاص بالرهط وداره بمكة إجماعا على ولده، وحـكيم بن حزام بداره بمكة والمدينة على ولده، قال: فذلك كله إلى اليوم، فإن الـذي قـدر منهم على الوقف وقف، واشتهر ذلك، فلم ينكره أحد.

              التالي السابق


              الخدمات العلمية