الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال في التوراة في السفر الأول : ( إن الملك ظهر لهاجر أم إسماعيل ، فقال : يا هاجر ، من أين أقبلت ؟ وإلى أين تريدين ؟ فلما شرحت له الحال ، قال : ارجعي فإني سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصون كثرة ، وها أنت تحبلين وتلدين ابنا اسمه إسماعيل لأن الله قد سمع تذللك وخضوعك ، وولدك يكون وحشي الناس ، وتكون يده على الكل ، ويد الكل مبسوطة إليه بالخضوع ) .

وهذه بشارة تضمنت أن يد ابنها على يد كل الخلائق ، وأن كلمته العليا ، وأن يد ابنها عالية ، ويد الخلق تحت يده ، فمن هذا الذي ينطبق عليه هذا الوصف سوى محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه .

وكذلك في السفر الأول من التوراة : إن الله قال لإبراهيم إني جاعل ابنك إسماعيل لأمة عظيمة إذ هو من زرعك .

وهذه بشارة بمن جعل من ولده لأمة عظيمة ، وليس هو سوى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 322 ] الذي هو من صميم ولده ، فإنه جعل لأمة عظيمة ، ومن تدبر هذه البشارة جزم بأن المراد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن إسماعيل لم تكن يده فوق يد إسحاق قط ، ولا كانت يد إسحاق مبسوطة إليه بالخضوع ، وكيف يكون ذلك وقد كانت النبوة والملك في ولد إسرائيل والعيص وهما ابنا إسحاق . فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم انتقلت النبوة إلى ولد إسماعيل ودانت له الأمم ، وخضعت له الملوك ، وجعل خلافة الملك إلى أهل بيته إلى آخر الدهر ، وصارت أيديهم فوق أيدي الجميع ، وأيدي الجميع مبسوطة إليهم بالخضوع ، وكذلك في السفر الأول : إن الله تعالى قال لإبراهيم : إن في هذا العام يولد لك ولد اسمه إسحاق ، فقال إبراهيم : ليت إسماعيل هذا يحيى بين يديك ويمجدك ، فقال الله تعالى : قد استجبت لك في إسماعيل وإني أباركه وأنميه وأعظمه جدا جدا بما قد استجبت فيه ، وإني أصيره إلى أمة كبيرة عظيمة ، وأعطيه شعبا جليلا . ولم يأت من صلب إسماعيل من بورك وعظم وانطبقت عليه هذه العلامات غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته ، ملئوا الآفاق وأربوا في الكثرة على نسل إسحاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية