الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة

فيمن يقرأ القرآن العظيم أو شيئا منه هل الأفضل أن يهدي ثوابه لوالديه ولموتى المسلمين؟ وكذلك إذا دعا عقيب القراءة يقول: اللهم أوصل ثوابه لوالديه ولموتى المسلمين أو يجعل ثوابه لنفسه خاصة؟

الجواب

أفضل العبادات ما وافق هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته : "إن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة"، وقد قال تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ، فرضي عن السابقين مطلقا، ورضي عمن اتبعهم بإحسان.

وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح من غير وجه أنه قال: "خير [ ص: 197 ] القرون القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، وقال عبد الله بن مسعود: من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة. أولئك أصحاب محمد أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الصراط المستقيم.

وقال حذيفة بن اليمان: يا معشر القراء! استقيموا وخذوا طريق من قبلكم، فوالله لقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا.

وهذا باب واسع، والدلائل عليه كثيرة، وقد قال تعالى: ليبلوكم أيكم أحسن عملا ، قال الفضيل بن عياض: أخلصه وأصوبه. قالوا: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون صوابا خالصا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. وهذا الذي قاله الفضيل من الأصول المتفق عليها، فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في ديننا ما [ ص: 198 ] ليس منه فهو رد"، وصح عنه أنه قال: "الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه".

وهذان الأصلان اللذان ذكرهما الفضيل، وقد أوجب الله الإخلاص له في غير موضع من كتابه، كقوله: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ، وقوله فاعبد الله مخلصا له الدين ، وقوله: فادعوا الله مخلصين وغير ذلك، وقد ذم من دان بغير شرعه في غير موضع، كقوله: أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ، وقوله: قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون .

فإذا عرف هذا الأصل فالأمر الذي كان معروفا بين المسلمين في القرون الفاضلة أنهم كانوا يعبدون الله تعالى بأنواع العبادات المشروعة فرضها ونفلها، من الصلاة والصيام والقراءة والذكر وغير [ ص: 199 ] ذلك، وكانوا يدعون للمؤمنين والمؤمنات كما أمر الله بذلك، يدعون لأحيائهم وأمواتهم في صلاتهم على الجنائز وعند زيارة قبورهم وغير ذلك. وروي عن طائفة من السلف أن عند كل ختمة دعوة مجابة، فإذا دعا الرجل عقيب الختمة لنفسه ولوالديه ومشايخه وغيرهم من المؤمنين والمؤمنات كان هذا من الجنس المشروع، وكذلك دعاؤه لهم في قيام الليل وغير ذلك من مواطن الإجابة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالصدقة عن الميت، وأنه أمر بأن يصام عنه الصوم الذي نذره، فالصدقة عن الموتى من الأعمال الصالحة، وكذلك ما جاءت به السنة في الصوم عنهم ونحو ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية