الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            41 - القول الجلي في حديث الولي .

            بسم الله الرحمن الرحيم .

            مسألة : الحديث الذي أخرجه البغوي في تفسير سورة شورى عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله يقول عز وجل : " من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ، وإني لأغضب لأوليائي كما يغضب الليث الحرد ، وما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل أداء ما افترضت عليه ، وما يزال عبدي المؤمن يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ، إن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته ، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه ، وإن من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة فأكفه عنه أن لا يدخله عجب فيفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الغنى ، ولو أفقرته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الفقر ، ولو أغنيته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الصحة ، ولو أسقمته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا السقم ، ولو أصححته لأفسده ذلك ، إني أدبر أمر عبادي بعلمي بقلوبهم ; إني عليم خبير " ، من أخرجه من الأئمة ؟ وما حاله ؟

            [ ص: 434 ] الجواب : هذا الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء ، قال : حدثنا الهيثم بن خارجة والحكم بن موسى قالا : ثنا الحسن بن يحيى الخشني عن صدقة الدمشقي ، عن هشام الكناني ، عن أنس ، بطوله ولفظه ، وأخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمة الحسن بن يحيى الخشني ، قال : ثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن ، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا عبد الجبار بن عاصم ح وثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ، ثنا أحمد بن يحيى الحلواني ح وثنا مخلد بن جعفر ، ثنا أحمد بن محمد بن يزيد البراتي ، قالا : ثنا الحكم بن موسى ، قال : ثنا الحسن بن يحيى الخشني به بطوله ولفظه وقال : غريب من حديث أنس لم يروه عنه على هذا السياق إلا هشام ، وعنه صدقة ، تفرد به الحسن ، والحسن بن يحيى قال الذهبي : تركوه ، وقال أبو حاتم : صدوق سيئ الحفظ ، وقال دحيم : لا بأس به ، وروى الطبراني في الأوسط من طريق عمر بن سعيد الدمشقي - وهو ضعيف - عن صدقة بن عبد الله أبي معاوية ، عن عبد الكريم الجزري ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله تعالى : من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ، وإني لأسرع شيء إلى نصرة أوليائي ، إني لأغضب لهم كما يغضب الليث الحرد " هكذا رواه مختصرا ، ثم إن لأصل الحديث شواهد ، منها ما أخرجه البخاري في صحيحه من طريق خالد بن مخلد ، عن سليمان بن بلال ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته ، ولا بد له منه " تفرد بإخراجه البخاري ، وأورده الذهبي في الميزان في ترجمة خالد وقال : هذا حديث غريب جدا ، تفرد به خالد بن مخلد ، ولولا هيبة الجامع الصحيح لعددته في منكرات خالد ، وذلك لغرابة لفظه ولأنه مما تفرد به شريك وليس بالحافظ . اه .

            ومنها ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن حماد بن خالد الخياط ، عن عبد الواحد مولى عروة ، عن عروة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من آذى لي وليا فقد استحل محاربتي ، وما تقرب إلي عبدي بمثل الفرائض ، وما يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته إن سألني أعطيته وإن دعاني أجبته ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي [ ص: 435 ] عن وفاته لأنه يكره الموت ، وأكره مساءته " ورجاله رجال الصحيح ، إلا عبد الواحد ، وثقه أبو زرعة والعجلي وابن معين في رواية ، وضعفه غيرهم ، وأخرجه الطبراني في الأوسط ، قال : ثنا هارون بن كامل ، ثنا سعيد بن أبي مريم ، ثنا إبراهيم بن سويد المدني ، حدثني أبو حزرة يعقوب بن مجاهد ، أخبرني عروة بن الزبير ، عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يقول : من أهان لي وليا فقد استحل محاربتي ، وما تقرب إلي عبد من عبادي بمثل أداء فرائضي ، وإن عبدي ليتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت عينه التي يبصر بها ، وأذنه التي يسمع بها ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن موته ، وذلك أنه يكره الموت وأنا أكره مساءته " ، وقال : لم يروه عن عروة إلا أبو حزرة وعبد الواحد بن ميمون . قلت : ورجال الإسناد رجال الصحيح إلا هارون .

            ومنها ما رواه أبو يعلى في مسنده عن العباس بن الوليد ، عن يوسف بن خالد ، عن عمر بن إسحاق ، عن عطاء بن يسار ، عن ميمونة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : من آذى لي وليا فقد استحل محاربتي ، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء فرائضي ، وإنه ليتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت رجله التي يمشي بها ، ويده التي يبطش بها ، ولسانه الذي ينطق به ، وقلبه الذي يعقل به ، إن سألني أعطيته ، وإن دعاني أجبته ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن موته ، وذلك أنه يكره الموت وأنا أكره مساءته " . ويوسف - هو السمتي - كذاب .

            ومنها ما رواه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تعالى يقول : من أهان لي وليا فقد بارزني بالعداوة . ابن آدم ، لم تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضت عليك ، ولا يزال عبدي يتحبب إلي بالنوافل حتى أحبه فأكون سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، وقلبه الذي يعقل به ، فإذا دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته ، وإن استنصرني نصرته " . وفي سنده علي بن زيد ضعيف .

            ومنها ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى : من عادى لي وليا فقد ناصبني بالمحاربة ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن موت المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته ، وربما سألني وليي المؤمن الغنى فأصرفه عن الغنى إلى الفقر ، ولو صرفته إلى الغنى لكان شرا له ، وربما سألني وليي المؤمن الفقر فأصرفه إلى الغنى ، ولو صرفته إلى الفقر لكان شرا له " . ومن شواهد قوله : " وإن من عبادي [ ص: 436 ] لمن يسألني الباب من العبادة " إلى آخره ، ما أخرجه أبو الشيخ ابن حيان في كتاب الثواب عن حاجب بن أبي بكر ، عن أحمد الدورقي ، عن أبي عثمان الأموي ، عن صخر بن عكرمة ، عن كليب الجهني رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : لولا أن الذنب خير لعبدي المؤمن من العجب ما خليت بين عبدي المؤمن وبين الذنب " وما أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من طريق جعفر بن محمد بن عيسى الناقد ، عن سويد بن سعيد ، عن ضمام بن إسماعيل ، عن موسى بن وردان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا أن المؤمن يعجب بعمله لعصم من الذنب حتى لا يهم به ، ولكن الذنب خير له من العجب " ، وما أخرجه أبو نعيم والحاكم في التاريخ من طريق سلام بن أبي الصهباء ، عن ثابت ، عن أنس ، والديلمي من طريق كثير بن يحيى ، عن أبيه ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو لم تكونوا تذنبون لخفت عليكم ما هو أكبر من ذلك : العجب العجب " .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية