الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب في اجتهاد الحاكم ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما } [ ص: 99 ] قال الحسن بن أبي الحسن لولا هذه الآية لرأيت أن الحكام قد هلكوا ولكن الله حمد هذا لصوابه وأثنى على هذا باجتهاده ( أخبرناالربيع ) قال : ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا الدراوردي عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بشر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر } قال يزيد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن حزم فقال هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة ومن أمر أن يجتهد على مغيب فإنما كلف الاجتهاد ويسعه فيه الاختلاف فيكون فرضا على المجتهد أن يجتهد برأي نفسه لا برأي غيره ، وبين أنه ليس لأحد أن يقلد أحدا من أهل زمانه كما لا يكون لأحد له علم بالتوجه إلى القبلة يرى أنها في موضع أن يقلد غيره إن رأى أنها في غير ذلك الموضع ، وإذا كلفوا الاجتهاد فبين أن الاستحسان بغير قياس لا يجوز كلف لأحد ( قال ) : والقياس قياسان : أحدهما : يكون في مثل معنى الأصل فذلك الذي لا يحل لأحد خلافه ، ثم قياس أن يشبه الشيء بالشيء من الأصل ، والشيء من الأصل غيره ، فيشبه هذا بهذا الأصل ، ويشبه غيره بالأصل غيره ( قال الشافعي ) وموضع الصواب فيه عندنا - والله تعالى أعلم - أن ينظر ، فأيهما كان أولى بشبهه صيره إليه إن أشبه أحدهما في خصلتين ، والآخر في خصلة ألحقه بالذي هو أشبه في خصلتين ومن اجتهد من الحكام ، ثم رأى أن اجتهاده خطأ ، أو قد خالف كتابا أو سنة ، أو إجماعا ، أو شيئا في مثل معنى هذا رده ولا يسعه غير ذلك ، وإن كان مما يحتمل ما ذهب إليه ويحتمل غيره لم يرده من ذلك أن على من اجتهد على مغيب فاستيقن الخطأ كان عليه الرجوع ، ولو صلى على جبل من جبال مكة ليلا فتأخى البيت ، ثم أبصر فرأى البيت في غير الجهة التي صلى إليها أعاد وإن كان بموضع لا يراه لم يعد من قبل أنه رجع في المرة الأولى من مغيب إلى يقين وهو في هذه المرة يرجع من مغيب إلى مغيب وهذا موضوع في كتاب " جماع العلم من الكتاب والسنة " وكتاب القضاء ، والحق في الناس كلهم واحد ولا يحل أن يترك الناس يحكمون بحكم بلدانهم إذا كانوا يختلفون فيما فيه كتاب ، أو سنة ، أو شيء في مثل معناهما حتى يكون حكمهم واحدا إنما يتفرقون في الاجتهاد إذا احتمل كل واحد منهم الاجتهاد ، وأن يكون له وجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية